وفي قوله: ﴿اتخذوا﴾ الخ... بيان أنهم جعلوا الهجر ملازماً له ووصفاً من أوصافه عندهم. وذلك أعظم من أن يقال: هجروه، الذي يفيد وقوعه الهجران منهم دون دلالة على الثبوت والملازمة.
المعنى:
قال الرسول شاكياً لربه: إن قومي الذين أرسلتني إليهم بالقرآن لأتلوه عليهم، قد صدوا عنه وتركوه، وثبتوا على تركه وهجره.
استنتاج واعتبار:
في شكوى النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من هجرة القرآن دليل على أن ذلك من أصعب الأمور وأبغضها لديه.
وفي حكاية القرآن لهذه الشكوى وعيد كبير للهاجرين بإنزال العقاب بهم إجابة لشكوى نبيه.
ولما كان الهجر طبقات أعلاها عدم الإيمان به؛ فلكل هاجر حظه من هذه الشكوى وهذا الوعيد.
تنزيل:
ونحن- معشر المسلمين- قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل، وإن كنا به مؤمنين:
١ - بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة فهجرناها، وقلنا: تلك أدلة سمعية لا تحصل اليقين، وأخذنا في الطرائق الكلامية المعقّدة، واشكالاتها المتعددة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمره على الطلبة فضلاً عن العامة.
٢ - وبين القرآن أصول الأحكام، وأمهات مسائل الحلال والحرام، ووجوه النظر والاعتبار، مع بيان حكم الأحكام وفوائدها في الصالح الخاص والعام، فهجرنا، واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية مجرّدة بلا نظر، جافة بلا حكمة، محجبة وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفنى الأعمار قبل الوصول إليها.
٣ - وبين القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها ومساوىء الأخلاق ومضارها، وبين السبيل للتخلّي عن هذه والتحلّي بتلك، مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس والسلامة من الخيبة بتدسيتها (١).