وما كان ليكون هذا التدريج بغير تفريق الآيات في التنزيل.
ومن محاسنها نسخ الحكم عند انتهاء المصلحة التي اقتضت تشريعه وانقضاء زمنها لحكم آخر أنسب منه للبقاء في الأزمان.
كما كان في آيتي المتوفى عنها في سورة البقرة (١).
وما كان ذلك ليأتي إلاّ بتفريق الآيات في الإنزال.
وكانت الوقائع تقع، والحوادث تحدث، والشبه تعرض، والاعتراضات ترد.. فكانت الآيات تنزل بما تتطلبه تلك الوقائع من بيان، وما تقتضيه تلك الحوادث من أحكام، وما تستدعيه تلك الشبه من رد، وتلك الاعتراضات من إبطال، إلى غير ما ذكرنا من:
مقتضيات نزول الآيات المعروفة بأسباب النزول.
وفي بيان الواقعة عند وقوعها، وذكر حكم الحادثة عند حدوثها، ورد الشبهة عند عروضها، وإبطال الاعتراض عند وروده- ما فيه من تأثير في النفوس، ووقع في القلوب، ورسوخ في العقول، وجلاء في البيان، وبلاغة في التطبيق، واستيلاء على السامعين.
وما كان هذا كله ليأتي لولا تفريق الآيات في التنزيل، وترتيلها وتنضيدها هذا الترتيل العجيب، وهذا التنضيد الغريب، الذي بلغ الغاية من الحسن والمنفعة، حتى أنه ليصح أن يعد وحده وجهاً من وجوه الإعجاز.
حظنا من العمل بهذه الحكمة:
أن نقرأ القرآن ونتفهمه، حتى تكون آياته على طرف ألسنتنا، ومعانيه نصب أعيننا، لنطبق آياته على أحوالنا، وننزلها عليها كما كانت تنزل على الأحوال والوقائع.
فإذا حدث مرض قلبي أو اجتماعي طلبنا دواءه في القرآن وطبقناه عليه.
وإذا عرضت شبهة أو ورد اعتراض، طلبنا فيه الرد والإبطال.
وإذا نزلت نازلة طلبنا فيه حكمها، وهكذا نذهب في تطبيقه وتنزيله على الشؤون والأحوال إلى أقصى حد يمكننا.
إقتداء:
انظر إلى هذه الحكمة في هذا الترتيل: كيف كان تنزل [[آياته]] على حسب الوقائع؟
أليس في هذا قدوة صالحة لأئمة الجُمَع وخطبائها: في توخيهم بخطبهم الوقائع النازلة، وتطبيقهم خطبهم على مقتضى الحال؟
بلى والله، بلى والله!