ففي الحديث مثال لقول السلام في خطاب الجاهل، ودليل على عموم الحكم وإحكامه.
سؤال وجوابه:
على الوجه الثاني في الآية وهو أنه يقول للجاهل سلاماً، يقال: هل يسلم عليه إذا كان كافراً؟.
فيقال: نعم؛ كما قال إبراهيم لأبيه ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾. وقد قال الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ [الممتحنة: ٤]. ولم يستثن إلاّ قوله لأبيه: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾.
نعم هو سلام موادعة ومتاركة، لا سلام تحية وكرامة.
لطيفة تاريخية:
قالوا: إن إبراهيم ابن المهدي العباسي كان منحرفاً عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فرآه في النوم قد تقدمه لعبور قنطرة، فقال له إبراهيم:
«إنما تدعي هذا الأمر يعني الخلافة بامرأة، يعني فاطمة- رضي الله عنها- ونحن أحق به منك. وحكى إبراهيم رؤياه للمأمون، وقال له: فما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه!
فقال له المأمون: فما أجابك به؛ قال كان يقول لي:"سلاماً سلاماً" فنبهه المأمون على هذه الآية، وقال: يا عم، قد أجابك بأبلغ جواب! فخزي إبراهيم واستحيا. اهـ.
فرضي الله عن الإمام الهاشمي ما أبلغه حياً وميتاً!!
توجيه وسلوك:
القول السلام محمود ومطلوب في كل حال، وإنما خصت حالة خطاب الجاهل، لأنها الحالة التي تثور فيها ثائرة الغضب بما يكون من سفهه ومهاترته.
فعلى المؤمن أن يكون حاضر البال بهذه الآية عندما تسوق إليه الأقدار جاهلاً، فيخاطبه بما لا يرضيه حتى يسلم من شره، ويكسر من شرته (١)، فيسلم له عرضه ومروءته ودينه، ويسلم ذلك الجاهل أيضا من اللجاج في الشر والتمادي فيه.
فيكون المؤمن بقوله السلام، وتأدبه بأدب القرآن قد حصل السلامة للجميع.
وأعظم به من فضل وأجر في الدنيا والدين.
وفقنا الله لذلك والمسلمين أجمعين.

(١) الشِّرَّة: الحدة (المعجم الوسيط: [ص: ٤٧٨]).


الصفحة التالية
Icon