وجاء فيه أيضاً من حديث زيد بن خالد الجهني (١).
وفي هذه السنة العملية الثابتة بيان للقدر الأكمل، الذي يكون به العبد ممن يصدق عليهم هذا الوصف من صفات عباد الرحمان.
الصفة الرابعة:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)﴾ [الفرقان: ٦٥، ٦٦].
لما ذكر حسن سلوكهم مع الخلق، واجتهادهم في عبادة الحق، ذكر خوفهم من ربهم، واعتمادهم عليه في نجاتهم، وعدم اعتزازهم بأعمالهم، فهم يأتون ما يأتون من محاسن الأعمال، ولا يعتمدون إلاّ على الكبير المتعال.
(الغرام) مادة (غ ر م) تدور على معنى الملازمة مع الثقل والشدة، ولذا فسر الغرام بالشر، وبالعذاب، وبالهلاك الملازم.
﴿ساءت﴾، بمعنى قبحت، مثل بئس لإنشاء الذم.
﴿المستقر﴾ محل الإقامة أي البقاء.
﴿ساءت﴾ فاعلة الضمير المخصوص بالذم.
و ﴿مستقراً ومقاماً﴾ تمييز مفسر للضمير.
وجملة ﴿إن عذابها﴾ تعليل للجملة الدعائية، وفصلت عنها لكمال الانقطاع بينهما.
وجملة: ﴿إنها ساءت﴾ مؤكدة لمضمون الجملة قبلها مع اختلاف في المعنى: فإن ما أفادته الأولى من فداحة عذابها وملازمته، أكدته الثانية بما أفاده من مقامه ومستقرها، ففصلت عنها لما بينهما من كمال الاتصال نظير: ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ [البقرة: ٢].
والتأكيد فيها بـ"إنّ"، لأنه قد لوح وأشير في الكلام السابق إلى هذا الخبر، وشأن السامع لهذا أن يستشرف له استشراف المتردد الطالب، فينزل منزلة المتردد فيؤكد له الخبر.
ووجه التلويح بهذا الخبر: أنه لما سئل صرف عذاب جهنم كان هذا مشيرًا، إلى قبح هذا العذاب وشدته. فهذا نظير ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧].
المعنى:
من صفاتهم أنهم يدعون الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم؛ لأن عذابها عذاب