شديد، فادح، ملح، ملازم. ولأنها بئست المستقر الذي يستقر ويثبت فيه، وبئست المقام الذي يقام ويمكث فيه.
...
رد واستدلال:
زعم قوم أن أكمل أحوال العابد، أن يعبد الله تعالى لا طمعاً في جنته، ولا خوفاً من ناره.
وهذه الآية وغيرها رد قاطع عليهم.
ومثلها قول إبراهيم- عليه وعلى آله الصلاة والسلام- ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢]، وفي نصوص لا تحصى كثرة.
وزعموا أن كمال التعظيم لله ينافيه أن تكون العبادة معها خوف من عقابه، أو طمع في ثوابه. وأخطاؤا فيما زعموا:
فإن العبادة مبناها الخضوع والذل والافتقار، والشعور بالحاجة والاضطرار. وإظهار العبد هذه العبودية بأتمها، ومن أتم مظهر لها، أن يخاف، ويطمع، كما يذل، ويخضع؛ ففي إظهار كمال نقص العبودية القيام بحق الإجلال والتعظيم للربوبية.
ولهذا كان الأنبياء- عليهم وآلهم الصلاة والسلام- هم أشد الخلق تعظيماً لله، وأكثرهم خوفاً من الله، وتعوذاً من عذاب الله، وسؤالًا لما عند الله، وكفى بهم حجة وقدوة.
وإن هذه المقالة (١) تكاد تُفضي إلى طرح الرجاء والخوف، وعليهما مبنى الأعمال، لما فيهما من ظهور العبودية بالذل والاحتياج.
ومن دعاء القنوت الثابت المحفوظ: «وإليك نسعى ونحفد (٢)، نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد» وهذا ضروري في الدين.
ولكن مثل هذه المقالة إنما يجر إليها:
الغلو وقلة الفقه في الدين، وفي الكتاب والسنة، وما كان عليه هَدْيُ السابقين الأولين.
إعتبار ونصيحة:
إن جهنم هي أقبح مستقر وأقبح مقام.
وإن الدنيا هي مطية الآخرة؛ فمن ساء مستقره ومقامه في الدنيا، ساء كذلك مستقره ومقامه في الآخرة.
وإن ملازمة العذاب في الآخرة على قدر ملازمة المعاصي في الدنيا؛ فمن لازمها بالكفر،

(١) أي مقالة القائلين بأن كمال التعظيم لله ينافيه أن تكون العبادة معها خوف من عقابه أو طمع في ثوابه.
(٢) نحفد: نسرع في العمل والخدمة (النهاية في غريب الحديث والأثر: ٤٠٦/ ١ - مادة حفد).


الصفحة التالية
Icon