نصح وأنصف، وأخلص الإيمان بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩].
...
والآن نعطف بالكلام على مقال الشيخ ونحصره في مواضع:
١ - أنكرنا على من زعموا أن مرتبة العبادة العليا- أن يعبد الله تعالى لذاته، دون الطمع في ثوابه، ولا الخوف من عقابه، ونسبنا إليهم الخطأ.
ولما وجدنا آيات الكتاب وأحاديث السنة طافحة، بأن عبادة الله مقرونة بالخوف والطمع كما قدمنا، نسبنا خطأهم إلى قلة التفقه في الدين أي في أدلة الدين، وهي الآيات والأحاديث المذكورة.
وما عسى أن يقال فيمن لم تكفه تلك الآيات والأحاديث كلها، على صراحتها واتفاقها، إلا أنه لم يتفقه فيها؟
ولما لم نجد آية واحدة ولا حديثاً واحداً يصرح بمدعاهم.. حملناهم على الغلو.
هذا كله دون أن نصرح بشخص ولا بطائفة؛ لأن الكلام مع القول والدليل.
فأبى حضرته إلاّ أن يحمل كلامنا على طائفة مخصوصة يحب هو اليوم التظاهر بالدفاع عنها، ثم تطرق من ذلك إلى رمينا بما يناسب غرضه من الجراءة وقلة النصيحة، والتطاول على الأئمة... إلى ما يريد أن يصفنا به؛ ليقول القارىء إن حضرته موصوف بضده، وربك أعلم بتلك الأوصاف وأهلها!!
٢ - كان استدلالنا بآية ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾، على الوجه الذين بيناه فيما تقدم، دون أن نذكر الحصر، ولا أن نشير إليه، ولا من مقتضى موضوعنا أن نقصر عباد الرحمن على تلك الصفات.
لكن حضرته أخذ يقرر في قواعد الحصر الضرورية عند المبتدئين، وخرج من ذلك إلى أن الآية لا حصر فيها، وأننا تسرعنا، وما تدبرنا، ولم نحسن تطبيق قواعد العلوم على موضوع النزاع!!
وفي الحق: أن حضرته هو الذي لم يحسن تنزيل ما طول به في الحصر على كلام لم ندع فيه الحصر، ولم نستدل به، وإنما استدللنا بالآية مثل ما استدللنا بغيرها على الوجه الذي تقدم، وعلى ما معه من الوجوه.
٣ - ما في كلام الإمام الرازي، من أن الله مستحق للعبادة لذاته، وأنه لو أمر بالعبادة بلا ثواب ولا عقاب لوجبت.. فهو حق مسلم، وليس هو موضوع النزاع، إذ موضوع النزاع:
هل العبادة مع الخوف والرجاء أكمل؛ أم العبادة دونهما؟


الصفحة التالية
Icon