وما فيه من أن «من عبد الله للثواب والعقاب.. فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب، والله واسطة»:
إذا كان يعني به أنه عبد الله للثواب من حيث ذاته، والعقاب من حيث ذاته، دون امتثال للأمر، وتوجه للرب.. فهذا ليس كلامنا فيه.
وإن كان يعني أنه يعبد للثواب والعقاب من حيث أن العبادة الشرعية موضوعة على رجاء الثواب وخوف العقاب.. فهو يعبد الله امتثالاً لأمره فكلامه ممنوع؛ لأن العبادة هي التوجه بالطاعة لله امتثالاً لأمره، وقياماً بحقه، مع الشعور بالضعف والذل أمام قوة وعز الربويية، وذلك يبعث على الخوف المأمور به، ومع الشعور بالفقر والحاجة أمام غنى وفضل الربوبية، وذلك على الرجاء المأمور به.
فالمعبود في الحقيقة والواقع هو المتوجه إليه بالطاعة، وهو الله تعالى؛ لا الثواب الذي تعلق به الرجاء، ولا العقاب الذي تعلق به الخوف.
وكيف يكون الثواب هو المعبود، والعقاب هو المعبود، والله هو الذي شرعهما؟! فهل يشرع عبادة غيره؟!
وما هذا إلاّ من عدم التأمل في مثل قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٨]. أي شأنه أن يحذر ومن حقه أن يحذر.
وهل هذا إلاّ من عدم التفقه في قوله تعالى- في أم القرآن والسبع المثاني التي يناجي بها المصلي ربه، وهو في أعظم عبادة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]. فإن المستعين طالب للإعانة، والطالب راج قبول طلبه خائف من عدم قبوله.
وقوله تعالى فيها: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]. طلباً كذلك، فليتفقه المتفقهون في كلام رب العالمين.
٤ - ونقل كلام الإمام الرازي في باب المحبة قوله:
«وأما العارفون، فقد قالوا: يحب الله تعالى لذاته، وأما حب خدمته وحب ثوابه فدرجة نازلة».
ونحن نقول: إن الذات الأقدس الموصوف بالكمالات، المفيض للإنعامات.. تتعلق به قلوب المحبين، موصوفاً بكمالاته وإنعاماته التي منها ثوابه وجزاؤه، وتلك المحبة تبعث على خدمته بطاعته، والتقرب إليه بأنواع العبادات.
وأما عبادة الذات مجرداً عن الإنعامات- فهو نوع من التعطيل في الاعتقاد، والتقصير في الشهود.


الصفحة التالية
Icon