وإذا كانت المحبة عملًا من أعمال العبد القلبية التي يتقرب بها إلى الله.. فهي عبادة.
وقد بينا بالأدلة المتقدمة أن العبادة في الإسلام، موضوعة على مصاحبة الرجاء والخوف، والمحب للرب ذي الجلال والإكرام، والبطش والإنعام- لا يغيب عن إجلاله بالخوف والتذلل له بالطمع، كحاله في سائر العبادات.
٥ - ونقل من كلام النيسابوري قوله: «المحققون نظرهم على المعبود لا على العبادة، وعلى المنعم لا على النعمة».
ونرد عليه:
(أ) فإن كان مراده: أن نظرهم على المعبود أي اعتمادهم في القبول على المعبود لا على العبادة- فهذا حق، وليس كلامنا فيه.
(ب) وإن كان مراده: أن نظرهم على المعبود أي توجههم إلى المعبود دون العبادة- فهذا أيضاً حق؛ لأن العبادة متوجه بها إليها، وليس كلامنا في هذا.
(ج) وإن كان مراده: دون تقرب بالعبادة، فهذا باطل، لأن الله تعالى قال: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ أي ما يقربكم إليه من طاعته.
(د) وإن كان مراده: دون شعور بالعبادة، فهذا أيضاً باطل؛ لأن العابد ينوي العبادة ويقصد بها القربة، ويتوجه بها مخلصاً فيقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، فكيف يكون لا شعور له بها؟
وأما قوله: «وعلى المنعم لا على النعمة».
(أ) فإن أراد: أن المتقرب إليه هو الله المنعم دون النعمة- فهذا حق، وليس كلامنا فيه.
(ب) وإن أراد: أن رجاء نعمة الثواب حين التوجه لله والتقرب إليه بالطاعة ينافي التقرب إلى المنعم، ويعد تقرباً للنعمة- فهذا هو الذي أبطلناه بالأدلة السابقة، ونقضناه في الموضع الثالث.
(ج) وإن أراد: أن ذكر العبد لنعم الله عليه مخل بكمال عبادته- فهذا باطل أيضاً؛ لأن عبادة الله شكرا على ما آتى من النعم، وطلبا للمزيد من أرفع المقامات. وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: ١٢٠]. ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [النمل: ١٩]، ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤]، ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبرا هيم: ٧].
٦ - استدل النيسابوري:
«بأنه قيل لبني إسرائيل: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾. ولأمة محمد ﴿اذْكُرُونِي﴾».
وهذا منقوض بقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾


الصفحة التالية
Icon