فأقره على قوله: أرجو برها وذخرها. ولم يقل له: إن هذا مناف للإخلاص، كما يقول الشيخ وهو (يسمبط ويشنبط) (١) في كلام الإمام ابن العربي.
ثم ما لك- يا أخي- ولابن العربي؟!
حسبك ابن سينا وأمثاله، الذين يحاولون تطبيق العبادة الإسلامية على الفلسفة اليونانية، والآراء الأفلاطونية.
أما ابن العربي فهو حكيم إسلامي، وفقيه قرآني، وعالم سني- حقيقي- لا يبني أنظاره إلاّ على أصول الإسلام، ودلائل الكتاب والسنة. وهناك كلامه في إرادة المأذون فيه مع العبادة من أمور الدنيا، به الرجاء والخوف.
واسمع كلامه الصريح من الدليل الصحيح، في الرد على مثل زعمك: قال على قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨].: "المسألة الثانية، قال علماؤنا: في هذا دليل على جواز التجارة في الحج مع أداء العبادة، وأن القصد إلى ذلك لا يكون شركا، ولا يخرج به المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه، خلافاً للفراء في أن الحج دون تجارة أفضل أجرا".
وقال على قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ [الأحزاب: ٢٩].: "وهذا يدل على أن العبد يعمل محبة في الله ورسوله لذاتيهما وفي الدار الآخرة لما فيها من منفعة الثواب".
٩ - ونقل كلاماً للإمام الغزالي في المحبة، وقدمنا في الموضع الثامن الكلام على مثله، وبينا أن المحبة عبادة، وأنها موضوعة كسائر العبادات الشرعية على الرجاء والخوف بالأدلة المتقدمة.
١٠ - وقال: وكان من دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ الْأَشْياءِ إلَيَّ، وَاجْعَلْ خَشْيَتَكَ أَخْوَفَ الْأَشْيَاءِ عِنْدِي، وَاقْطَعْ عَنِّي حَاجَاتِ الدُّنْيَا بِالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِكَ» وقد تقرر: أن خوفه خوف إجلال وتعظيم، لا خوف النار والعقاب اهـ.
ونقول: إن خوف الإجلال لا يخرج به العبد عن ضعف وذل العبودية، ومشاهدة قوة وفضل الربوبية، فلا يتجرد خوفه الإجلالي عن خوف المؤاخذة: المؤاخذة التي ليست ناراً ولا عذاباً، ولكنها مؤاخذة مناسبة لذلك المقام العالي.
بدليل أن إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-، وهو مثل نبينا عليه الصلاة السلام في العصمة، وعدم التعذيب بالنار والعقاب، وقد خاف المؤاخذة- فقال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي

(١) يسمبط ويشنبط: عبارة عامة تجري على الألسنة في المغرب كله، ومعناها القول الذي لا ضابط له ولا أصل، وإنما يلقيه صاحبه جزافاً وخبط عشواء وينقل بلا وعي ولا دراية (حاشية المطبوع-[ص: ٣٤٨]).


الصفحة التالية
Icon