«قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر [عند الله]. (١)؟
قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك.
قال: ثم أي؟
قال: أن تقتل ولدك مخافة من أن يطعم معك.
قال: قلت: ثم أي؟
قال: أن تزاني حليلة جارك.
فأنزل الله [عز وجل]. (١) تصديقها: ﴿الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... ﴾» (٢).
المطابقة بين الآية وسبب نزولها:
تواردت الآية والحديث في الإثم الأول على شيء واحد، وتواردا أيضاً في الثاني والثالث. إلاّ أن في الحديث ذكر فرد من العام هو شر أفراده وأكبرها إثماً، وفي الآية ذكر العام.
ولا شك أن شر قتل النفس هو قتل الولد، لما في ذلك زيادة على قتل النفس من الخروج عن حنان الفطرة، وارتكاب ضد ما توجبه الرعاية والكفالة، وسوء الظن بالله المتكفل برزق الخليقة. كما أن الزنا بحليلة الجار، هو شر أفراد الزنا لما فيه زيادة على الزنا من انتهاك حرمة الجار، وخيانة الأمانة، فإنهم ما تجاوروا حتى أمن بعضهم بعضاً، وإدخال الفساد على أساس التكوين الاجتماعي في الناس وهو التجاور والتقارب.
لما أثبت لهم أصول الطاعات في الآيات المتقدمة، نفى عنهم أمهات المعاصي في هذه الآية؛ تنبيهاً على أن الإيمان الكامل هو ما تثبت معه الطاعات وتنتفي المعاصي، وذلك هو غاية الامتثال للأوامر والنواهي.
وفيه تعريض بما كان عليه المشركون من الاتصاف بهذه المعاصي من دعائهم آلهتهم مع الله، وقتلهم النفس وارتكابهم فاحشة الزنا.
وقدم إثبات الطاعات على انتفاء المعاصي؛ تنبيهاً على أن من راض نفسه على الطاعة ودانت نفسه بالإخبات والانقياد للأوامر الشرعية، ضعفت منه أو زالت دواعي الشر والفساد، فانكف عن المعصية.
نكتة استطرادية:
فمن هنا نعلم أن على المسلم الذي يعمل لتزكية نفسه، أن يواظب على الطاعات بأنواعها،
(٢) وأخرجه أيضا مسلم في الإيمان حديث رقم ١٤١. والبخاري في تفسير سورة ٢ باب ٣، وسورة ٢٥ باب ٢، والأدب باب ٢٠، والديات باب ١، والحدود باب ٢٠، والتوحيد باب٤٠. وأبو داود في الطلاق باب ٥٠. والترمذي في تفسير سورة ٢٥ باب ١ و٢. والنسائي في التحريم باب ٤. وأحمد في المسند (١/ ٣٨٠، ٤٣١، ٤٣٤، ٤٦٢).