﴿مساكنكم﴾ هي قرى النمل التي يسكنها تحت وجه الأرض، المحكمة الوضع والتركيب والتقسيم. ولذلك قيل فيها: مساكن، ولم يقل غيران (١).
﴿لا يحطمنكم﴾ لا يكسرنكم بالحوافر والأقدام.
﴿لا يشعرون﴾ لا يحسون بوجودكم.
الإتيان بـ"إذا" وجوابها، لإفادة أن قولها كان بسبب إتيانهم عند أول ما أتوا.
﴿لا يحطمنكم﴾ نهتهم عن أن يحطمهم، والحطم ليس من فعلهم حتى ينهوا عنه، وإنما المعنى: لا تكونوا خارج مساكنكم فيحطمكم، فنهتهم عن السبب، والمراد النهي عن السبب، لما في ذلك من الإيجاز المناسب لسرعة الإنذار لسرعة النجاة، ولما في ذكر المسبب- وهو الحطم- من التخويف الحامل على الإسراع إلى الدخول.
والجملة مؤكدة للأولى فكأنها قالت: ادخلوا مساكنكم لا تبقوا خارجها. ونظير التركيب في التعبير بالمسبب عن المسبب: لا أرينك ههنا؛ أي لا تكن هنا فأراك.
المعنى:
سار سليمان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تلك الجنود العظيمة يحيط به الإنس والجن وتظلّلهم الطير، حتى هبطوا على وادي النمل، فرأتهم كبيرة النمل وقائدته، فصاحت في بني جنسها، فنادتهم للتنبيه، وأرشدتهم إلى طريق النجاة: بأمرهم الدخول في مساكنهم، وحذرتهم من الهلاك بحطم سليمان وجنوده لهم عن [عدم]. (٢) شعور منهم، فلا يكون اللوم عليهم، وإنما اللوم على النمل إذْ (٣) لم يسرع بالدخول.
عبرة وتعليم:
عاطفة الجنسية غريزة طبيعية:
فهذه النملة لم تهتم بنفسها فتنجو بمفردها.
ولم ينسها هول ما رأت من عظمة ذلك الجند إنذار بني جنسها؛ إذ كانت تدرك بفطرتها أن لا حياة لها بدونهم، ولا نجاة لها إذا لم تنج معهم، فانذرتهم في أشد ساعات الخطر أبلغ الإنذار. ولم ينسها الخوف على نفسها وعلى بني جنسها من الخطر الداهم، أن تذكر عذر سليمان وجنده.
فهذا يعلمنا أن لا حياة للشخص إلاّ بحياة قومه، ولا نجاة لهم إلاّ بنجاتهم، وأن لا خير لهم فيه إلاّ إذا شعر بأنه جزء منهم.
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من الأصل؛ وهي زيادة ضرورية لاستقامة المعنى.
(٣) كانت بالأصل: "إذا" والصواب ما أثبتناه.