الفصل الرابع الآية السادسة
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠)﴾ [النمل: ٢٠].
﴿تفقد﴾ التفقد تطلبك ما فقدته وغاب عنك، وتعرفك أحواله. ﴿لا أرى﴾ لا أبصر.
﴿الهدهد﴾، هو (تبيب) وهو طائر صغير الجرم منتن الريح ليس من كرام الطير، ولا من سباعها.
﴿ما لي لا أرى﴾؟ استفهم عما حصل له فمنعه من الرؤية، حيث ظن أولًا أن الهدهد كان حاضراً، وإنما هو لم يره.
﴿أم كان من الغائبين﴾؛ استفهم عن غيبته حيث ظن ثانياً أنه غائب فاستفهم عن صحة ما ظن، فكلمة أم فيها إضراب، وفيها استفهام، فأضرب إضراب انتقال من ظن إلى ظن.
﴿كان من الغائبين﴾؛ تعريض بقبح فعله، لما انحط عن شرف الحضور، وكان من الغائبين.
المعنى:
تطلب سليمان- عليه السلام- معرفة ما غاب عنه من أحوال الطير فلم ير الهدهد، وأخذ يتساءل فظن أن شيئاً ستره عنه فلم يره، ولما لم يكن شيء من ذلك، ظن أنه كان غائباً غير حاضر، وذلك هو الظن الأخير الذي حصل به اليقين.
تعليم وقدوة:
من حق الرعية على راعيها أن يتفقدها، ويتعرف أحوالها؛ إذ هو مسؤول عن الجليل والدقيق منها.
يباشر بنفسه ما استطاع مباشرته منها، ويضع الوسائل التي تطلعه على ما غاب عليه منها.
وينيط بأهل الخبرة والمقدرة والأمانة تفقد أحوالها حتى تكون أحوال كل ناحية معروفة مباشرة لمن كلف بها.
فهذا سليمان على عظمة ملكه واتساع جيشه وكثرة أتباعه، قد تولى التفقد بنفسه، ولم يهمل أمر الهدهد على صغره وصغر مكانه.


الصفحة التالية
Icon