وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «لو أن سخلة (١) بشاطىء الفرات يأخذها الذئب ليسأل عنها عمر».
وهذا التفقد والتعرف هو على كل راع في الأمم والجماعات والأسر والرفاق وكل من كانت له رعية.
تعليل وتحرير:
تفقد سليمان جنس ما معه من الطير للتعرف كما ذكرنا، وذِكْرُ الطير هو الذي تعلقت به القصة، وليس في السكوت عن غير الطير ما يدل على أنه لم يتفقده. فالتفقد لم يكن للهدهد بخصوصه، وإنما لما تفقد جنس الطير فقده ولم يجده، فقال ما قال.
فلا وجه لسؤال من سأل: كيف تفقد الهدهد من بين سائر الطير.
تدقيق لغوي وغوص علمي:
سأل سليمان عن حال نفسه، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ ولم يسأل عن حال الهدهد فيقل: ما للهدهد لا أراه؛ فأنكر حال نفسه قبل أن ينكر حال غيره.
فنقل الحافظ الإمام ابن العربي عن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري شيخ الصوفية في زمانه قال:
«إنما قال ما لي لا أرى لأنه اعتبر حال نفسه إذ علم أنه أوتي الملك العظيم، وسخر له الخلق، فقد لزمه حق الشكر بإقامة الطاعة وإدامة العمل، فلما فقد نعمة الهدهد توقع أن يكون قصر في حق الشكر فلأجله سلبها؛ فجعل يتفقد نفسه، فقال: ما لي».
وكذلك تفعل شيوخ الصوفية إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم. هذا في الآداب، فكيف بنا اليوم ونحن نقصر في الفرائض؟!
توجيه:
مثل هذه المعاني الدقيقة القرآنية الجليلة النفيسة من مثل هذا الإمام الجليل من أجل علوم القرآن وذخائره.
إذ هي معاني صحيحة في نفسها.
ومأخوذه من التركيب القرآني أخذاً عربياً صحيحاً.
ولها ما يشهد لها من أدلة الشرع.
وكل ما استجمع هذه الشروط الثلاثة فهو صحيح مقبول.