«وليست من المتشابه الذي لا يعلمه إلاّ الله، فإن محمداً- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لو خاطب الكفار منها بما لا يفهم لكان ذلك أقوى أسبابها في الطعن عليه، وكانوا يقولون: هذا يتكلم بما لا نفهم، وهو يدعي أنه بلسان عربي مبين، وما حمعسق في اللسان؟! وما كهيعص في الكلام؟.
فدل أنهم فهموا الغرض وعرفوا المقصود».
إختلاف المتأولين:
أ- منهم طائفة تكلمت على كل لفظ من ألفاظ الفواتح، وذكرت له معنى، واختلفوا في تلك المعاني التي ذكروها، وهي كما ذكر الإمام ابن العربي:
«لا سبيل إلى تمييز واحد منها بدليل لأنه معدوم، ولا بأثر لأنه غير منقول.
ولا تطمئن إلى شيء منها القلوب التي عاشت على اليقين.
ولا تسلم واحداً منها العقول التي اعتادت قفو (١) العلم على نور الدليل».
ب- ومنهم طائفة أخذتها كلها بوجه واحد، فقال بعض:
إنها حروف تنبيه تقرع الأسماع، فتلفت السامعين إلى الاستماع والتدبر؛ لما اشتملت عليه السورة من الأحكام والعقائد والآداب وغيرها، من مقاصد القرآن. فهي نظير (ألا والهاء) في مألوف الاستعمال.
ج- وقال بعضهم: إنها حروف تعجيز وإفحام وتقريع؛ لأن القرآن الذي عجزوا عن معارضته، من هذه الحروف وأخواتها تركبت كلماته فكأنما يقال لهم:
ما هذا الذي عجزتم عنه إلاّ كلام من جنس كلامكم، وما ركبت كلماته إلاّ مما ركبت منه كلماتكم، وهذا لعجزهم أفضح، ولتقريعهم أوجع.
ومما يؤيد هذا أن أكثر هذه الفواتح ذكر بعده الكتاب المعجز وصفاته مثل قوله تعالى:
﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ١ و ٢]،
﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [آل عمران: ١ - ٣]،
﴿المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١ و ٢]،
﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: ١]،
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١١]،
﴿اتر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [يوسف: ١]،
﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص: ١ و ٢]،
﴿الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة: ١ و ٢]،
﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر: ١و ٢]. وغيرها،