الفائدة العملية:
قد افتتحت هذه السور من القرآن العظيم بكلمات التنبيه، وجاءت أول سورة منه بعد الفاتحة مفتتحة به.
فلتكن عند قراءته في انتباه، وإقبال على استيعاب لفظه، وتفهم معناه، فإن التالي للقرآن والسامع له في حضرة الرب على بساط القرب، والغفلة في هذا المقام من قلة الأدب.
ومن قل أدبه في مقام الإحسان والكرامة، استوجب أضعاف ما يستوجبه غيره من العتب والملامة، وتعرض لموجبات الحسرة والندامة.
فالله نسأل أن يجعلنا من قرآنه على انتباه واستحضار، آناء الليل وأطراف النهار، العاملين به بالعشي والإنبكار، إنه الجواد الكريم الستار.
تابع المرسل والرسول والرسالة والمرسل إليهم:
﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦)﴾ [يس: ٢ - ٦].
﴿الحكيم﴾: هو الموصوف بالحكمة، وأصل اللفظ من حكم بمعنى أمسك، فالحكمة هي العلم الصحيح الذي يمسك صاحبه عن الجهالات والضلالات والسفالات، فيكون ذا إدراك للحقائق قويم وخلق كريم، وعمل مستقيم لا يحكم إلاّ عن تفكير، ولا يقول إلاّ عن علم، ولا يفعل إلاّ على بصيرة؛ فإذا نظر أصاب، وإذا فعل أصاب، وإذا نطق أتى بفصل الخطاب.
ووصف القرآن بالحكيم، لأنه هو العلم الصحيح المثمر لهذا كله، و (الصراط المستقيم) هو دين الإسلام الذي جاء به جميع المرسلين قبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
﴿تنزيل﴾ بمعنى منزل، وهو الصراط المستقيم.
﴿العزيز﴾ الغالب الممنع الذي لا نظير له.
﴿الرحيم﴾ المنعم الدائم الإنعام والإحسان.
﴿الإنذار﴾ الإعلام بوقوع ما يُخاف منه، وهو الهلاك والعذاب العاجل والآجل.
و ﴿الغافل﴾ عن الشيء: التارك له المعرض عنه مع حضوره لديه لاشتغال باله بسواه.
المعنى:
أقسم الله تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمداً - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المرسلين رداً على من قالوا: ﴿لَسْتَ مُرْسَلًا﴾ في حال أنه على دين الإسلام الذي بعثه الله، ثابتاً عليه في عقده وقوله وفعله وجميع أمره.