وأخبر تعالى أن هذا الإسلام الذي جاء به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزله عليه القوي الغالب الذي لا يغالب، العديم الشبه والنظير، والمنعم الدائم الإنعام المستمر الإحسان.
وبين تعالى أنه كان من المرسلين لينذر الأمة العربية، ويُعلمها سوء عاقبة ما هي عليه من الشرك والضلال.
تلك الأمة التي ما أُنذر آباؤها، فهي مشتغلة بما توارثته من آبائها من عبادة الأوثان وارتكاب الإثم والعدوان، وأنكل الضلال والخسران، معرضة عن توحيد خالق الأرض والسموات، وعن النظر فيما نصب للدلالة عليه من الآيات، طال عليها أمد الجهالة، واستولت عليها أسباب الضلالة، فتمكنت منها الغفلة التمكن التام؛ فذهبت في أوديتها البعيدة المدى، كالأنعام أو أضل من الأنعام.
...
أصل المعرفة والسلوك من هذه الآية الكريمة:
خلق الله الخلق حنفاء موحدين، فأتتهم الشياطن فأضلتهم عن سواء السبيل، فمن رحمته- تعالى- بهم أن أرسل إليهم رجالاً منهم لهدايتهم، وأنزل عليهم كتبا منه لدلالتهم.
فالله هو المرسل، تلك الكتب هي رسائله، وأولئك الرجال هم رسله، والخلق هم المرسل إليهم.
المعرفة:
فللمرسِل العلو والكمال، وله الخلق والأمر، ومنه الرحمة والعدل والإحسان والفضل، وله الربوبية والألوهية دون شريك ولا مثال.
وفي تلك الرسائل الحق والحكمة، والنور المُخرج من كل ظلمة، والفرقان في كل شبهة، والفصل في كل خصومة، بها تفتح البصائر، وتطهر الضمائر، وتعرف طريق الحق والهدى من طرائق الباطل والضلال.
ولأولئك الرسل- عليهم الصلاة والسلام- أكمل ما يمكن للإنسان من كمال، وأكمل المعرفة بالمرسِل- تعالى- وأعظم الخشية له، وأكمل الرحمة بالخلق، وأشد الشفقة عليهم، وأكمل العلم بما جاءوا به، وأعظم التمسك به، وأكثر الاتباع له.
فلا كمال إلاّ بالإقتداء بهم، ولا نجاة إلاّ باتباعهم، ولا وصول إلى الله تعالى إلاّ باقتفاء آثارهم.
وللمرسَل إليهم عجز المخلوق وضعفه أمام خالقه، وحاجته وافتقاره إليه، وعليه حق عبادته وطاعته والرجاء لفضله، والخوف من عقابه والفكر في آياته ومخلوقاته، والنهوض للعمل في مرضاته، واستثمار أنكل نعمائه، والشكر له على جميع آلائه.
فبمعرفة هذه الأربعة حق معرفتها، ومعرفة مقام كل واحد منها وما له فيه؛ كمال الإنسان العلمي، الذي هو أصل كماله العملي، والشرط اللازم فيه.