فكما اشتملت هذه الآيات على أصول الحكمة، دلت على أصلها ومأخذها، وما يكون الإنسان بعلمه والعمل بما فيه من أهلها، وهو القرآن الحكيم.
توجيه القسم في الآيات:
أقسم الله بالقرآن الحكيم على أن محمداً- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من المرسلين، لينذر الغافلين حال أنه على صراط عظيم مستقيم، منزل من العزيز الرحيم؛ لأن القرآن هو كتاب محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الذي كان يتخلق به، ويهتدي بما فيه، وينذر به، ويدعو إليه ويبينه للناس بقوله وفعله، وهو برهانه وحجته، وآيته ومعجزته.
كما أنه كتاب الإسلام الذي هو الصراط المستقيم.
فيه حجته ودلائله، فيه أحكامه وحكمه، فيه آدابه وشمائله.
فيه بيان حقيقته وما هو منه، ونفي ما ليس منه عنه.
فيه بيان تاريخه وتاريخ الإنسانية معه.
فيه ذكر أوليائه وحسن بلائهم في سبيله، وحسن أثره فيهم، والعود بالعاقبة المحمودة عليهم، وذكر أعدائه وجهدهم في مقاومته، وسقوط شبههم أمام حجته، وذهاب باطلهم أمام حقه، وشدة أخذه لهم على ظلمهم، ونزول نقمته بهم، وحلول دائرة السوء عليهم.
فيه الإسلام كله، فمن طلبه فيه وجده ونجا به؛ ومن طلبه في غيره ضل وكان من الهالكين.
...
عقائد وأدلتها من هذه الآيات:
العقيدة الأولى: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رسول الله.
دليلها الأول:
القرآن الحكيم الذي جاء به رجل أمي، ما قرأ ولا كتب، ولا دارس العلماء، ولا عرف الكتب.
ودليلها الثاني:
موافقة دعوته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لدعوة المرسلين- صلوات الله عليهم- إلى عبادة الله وحده، وتصديق ما جاءهم به من عنده، دون أن يسألهم على ذلك أجراً، وهذا من قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
فهو من المرسلين من جهة إرساله؛ لأنه منهم في أقواله وأفعاله نظير قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩]، وقوله: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ٣٧]، وقوله: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣].
ودليلها الثالث:
هذا الدين الكامل الجامع، الذي هدي به النوع الإنساني أفراداً وجماعات إلى ما فيه