سعادته، فأطلق فكره، وسدد نظره، وقوم عقائده، وهذب أخلاقه، ونظم اجتماعه، ووضع له قواعد الحياة والعمران على العدل والإحسان، ووجههم إلى خالقهم، وما أعد لهم عنده من النعيم المقيم والرضوان التام.
ودليلها الرابع:
سلوكه هو في حياته على الصراط المستقيم، من يوم عرف الدنيا حتى فارقها؛ فكان يمثله على أكمل وجه، ولا يُخل بشيء منه، ثابتاً عليه، لا يحيد قيد شعرة عنه، دون أن تحفظ عنه زلة، ولا تعرف منه في القيام به والدعوة إليه فترة (١)، ولا تقف أمامه قوة، ولا ترد له حادثة عزمه، ولا تحمله على هوادة فيه رغبة ولا رهبة، ولا تبدل حاله رخاء ولا شدة.
فكان في كرم خلقه، وتمام زهده، وعظيم تألهه (٢) وتوجهه لربه، بعدما فتح الله له الفتح المبين، ودخل الناس أفواجاً في الدين.
كما كان أيام كان وحيداً بين أعظم أعدائه من المشركين، وما هذا من شأن البشر وطبعهم لولا عصمة وتأييد رب العالمين.
العقيدة الثانية: القرآن كلام الله ووحيه:
ودليلها:
أنه حكيم، فما فيه من العلم وأصول العمل، لا يمكن أن يكون إلاّ عند الله، في عقائده ودلائلها وأحكامه وحكمها وآدابه وفوائدها.
الى ما فيه من حقائق كونية، كانت مجهولة عند جميع البشر، وما عرفت لهم إلاّ في هذا العصر الأخير.
ومن أشهرها: مسألة الزوجية الموجودة في جميع هذا الكون حتى أصغر جزء منه، وهو الجوهر الفرد المركب من قوتين: موجبة وسالبة.
جاءت هذه المسألة في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٩].
ومنها مسألة حياة النبات، التي جاءت في مثل قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠].
ومنها مسألة تلاقح النباتات بواسطة الرياح التي تنقل مادة التكوين من الذكر إلى الأنثى، جاءت في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢]. فهذه حقائق

(١) الفَتْرَة: الضعف والانكسار (المعجم الوسيط: [ص: ٦٧٢]).
(٢) التأله: التنسّك والتعبّد (المرجع السابق: [ص: ٢٥]).


الصفحة التالية
Icon