يقتضي التخصيص؛ لأن الأول في مقام الإنذار العام، والثاني في مقام تجديد الإنذار والانتفاع به، وأما الإعراض فلا يكون إلاّ عن المأيوس منه من الكافرين.
إرشاد:
طريق السلوك الشرعي إنما هي اتباع القرآن، وأكمل أحوال العبد أن يخشى الله ويرجو رحمته.
وأهل الاتباع والخشية لا يستغنون عن تجديد الإنذار، وذلك بدوام التذكير المشروع في الإسلام، وتذكير المؤمنين بإنذارهم وتبشيرهم؛ فلا يَأْمَنُون (١) من عذاب الله ولا يقنطون من رحمته.
صفة المؤمن من هذه الآيات:
المؤمن الكامل هو من سلمت فطرته، وصح إدراكه، واتبع القرآن في عقده، وخلقه، وعمله، واستوت خلوته وجلوته، وسره وعلنه؛ وعبد الله راجياً رحمته، خائفاً عذابه، يخيفه الإنذار، وترجيه البشرى بالمغفرة والأجر الكريم.
ثبتنا الله والمسلمين على الايمان مع هذه الصفات إلى الممات، آمين يا رب العالمين.
...
الحياة بعد الموت
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)﴾ [يس: ١٢].
اشتملت الآيات المتقدمة على ذكر الرسول وصفته، ورسالته التي جاء بها- وهي القرآن- ووصفها، والمرسل وهو العزيز الرحيم، والمرسل إليهم، وتعميم بالنذارة، وانقسامهم إلى معرضين معاندين، ومقبلين متبعين؛ فجاءت هذه الآية مشتملة على ما تكون فيه نتيجة ذلك وثمرته، وهو يوم القيامة.
ووجه آخر (٢) وهو أن أمهات أصول العقائد ثلاثة: الإيمان بالله، والإيمان برسول الله، والإيمان باليوم الآخر.
وقد انتظمت الآيات المتقدمة تقرير الأصل الثاني (٣) بالقسم عليه (٤) على ما تقدم من البيان، وانتظمت الأصل الأول (٥) ضمنًا بذكر العزيز الرحيم (٦).
فجاءت هذه الآية لتقرير الأصل الثالث (٧).
(٢) أي في سبب الارتباط.
(٣) الإيمان برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(٤) بقوله تعالى: ﴿يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾.
(٥) الإيمان بالله تعالى.
(٦) ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾.
(٧) الإيمان باليوم الآخر.