فلم يكن المسلم ليدع من هذا المقام الشريف- مقام خلافة النبوة- شيئاً من حظه، وإذا كان هذا المقام ثابتاً لكل مسلم ومسلمة، وحقا القيام به- بقدر الاستطاعة- على كل مسلم ومسلمة- فأهل العلم به أولى وهو عليهم أحق، وهم المسؤولون عنه قبل جميع الناس.
وما أصاب المسلمين ما أصابهم إلاّ يوم قعد أهل العلم عن هذا الواجب عليهم. وإذا عادوا إلى القيام به- وقد عادوا والحمد لله- أوشك- إن شاء الله- أن ينجلي عن المسلمين مصابهم.
تفرقة:
ليس كل من زعم أنه يدعو إلى الله يكون صادقاً في دعواه، فلا بد من التفرقة بين الصادقين والكاذبين. والفرق بينهما- مستفاد من الآية- بوجهين:
الأول:
أن الصادق لا يتحدث عن نفسه، فلا يستطيع أن ينسى نفسه في أقواله وأعماله.
وهذا الفرق من قوله تعالى: ﴿إِلَى اللهِ﴾.
الثاني:
أن الصادق يعتمد على الحجة والبرهان، فلا تجد في كلامه كذباً ولا تلبيساً ولا ادعاء مجرداً، ولا تقع من سلوكه في دعوته على التواء ولا تناقض ولا اضطراب.
وأما الكاذب فإنه بخلافه: فإنه يلقي دعاويه مجردة ويحاول تدعيمها بكل ما تصل إليه يده، ولا يزال لذلك في حنايا وتعاريج لا تزيده إلاّ بعداً عن الصراط المستقيم.
وهذا الفرق من قوله تعالى: ﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾.
مباحث لفظية:
﴿عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ يتعلق بـ ﴿أدعو﴾، واختيرت ﴿على﴾ لتدل على تمام التمكن و ﴿أنا﴾ تأكيد للضمير المستتر في ﴿أدعو﴾، ونكتته الإعلان بنفسه في مقام الدعوة، وشأن الداعي على بصيرة أن يجهر بدعوته ولا يستسر بها، واتصال اللفظ الدال عليه باللفظ الدال على اتباعه كما تتصل بدعوته.
وشأن الصورة اللفظية مطابقة الصورة الخارجية والكلام تصوير للواقع.
﴿من﴾ تفيد العموم لكل تابع، وأكملهم في الاتباع أكملهم في الدعوة؛ لأن الموصول يفيد التعليل بصلته، فهم يدعون لأنهم متبعون.
تنزيه الله تعالى:
الإعتراف بوجود خالق للكون يكاد يكون غريزة مركوزة في الفطرة، ويكاد لا تكون لمنكريه- عناداً- نسبة عددية بين البشر.
ولكن أكثر المعترفين بوجوده قد نسبوا إليه ما لا يجوز عليه، ولا يليق بجلاله: من الصاحبة