والولد، والمادة والصورة، والحلول، والشريك في التصرف في الكون، والشريك في التوجه والضراعة إليه، والسؤال منه والاتكال عليه.
فأرسل الله الرسل ليبينوا للخلق تنزهه عن ذلك كله.
وكان من سبيل محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه يدعو الخلق إلى الله، وينزهه عن كل ما نسبه إليه المبطلون وتخيله المتخيلون، وهو معنى قوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللهِ﴾.
فهو يدعوهم إلى الله الذي قد عرفوا وجوده بفطرتهم، وعرفوا أنه هو خالق الكون وخالقهم، لا يسميه إلاّ بما سمى به نفسه، ولا يصفه إلاّ بما وصف به نفسه، ويعرفهم بآثار قدرته، ومواقع رحمته، ومظاهر حكمته، وآيات ربوبيته وألوهيته، ووحدانيته في جلاله وسلطانه، وينزهه عن المشابهة والمماثلة لشيء من مخلوقاته لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
وهذا التنزيه- وإن كان داخلاً في الدعوة إلى الله فإنه- خصص بالذكر، لعظم شأنه؛ فإنه ما عرف الله من شبهه بخلقه، أو نسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو أشرك به سواه. وإن ضلال أكثر الخلق جاءهم من هذه الناحية.
فمن أعظم وجوه الدعوة وألزمها، تنزيه الله تعالى عن الشبيه والشريك، وكل ما لا يليق.
والمسلمون المتبعون لنبيهم- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الدعوة إلى الله على بصيرة، متبعون له في هذا التنزيه: عقداً، وقولًا، وعملاً، وإعلاناً، ودعوة.
مباحث لفظية:
﴿سبحان﴾ منصوب بفعل محذوف تقديره أسبح أي أنزه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أدعو﴾، فهي من بيان القبيل.
البراءة من المشركين:
الأمة التي بعث منها النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهي أول أمة دعاها إلى الله، هي الأمة العربية، وهي أمة كانت مشركة تعرف أن الله خلقها ورزقها، وتعبد مع ذلك أوثانها: تزعم أنها تقربها إلى الله، وتتوسط لها لديه!!
فكان النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما يدعو إلى الله وينزهه، يعلن براءته من المشركين، وأنه ليس منهم: براءة من عقيدتهم، وأقوال وأعمال شركهم. فهو مباين لهم في العقد، والقول، والعمل مباينة الضد للضد. فكما باين التوحيد الشرك، باين هو المشركين، وذلك معنى قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
وهذه البراءة والمباينة- وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه- فإنها نص عليها بالتصريح، لتأكيد أمر مباينة المشركين، والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جلية وخفية.