وبيان كل ما تحتاج إلى إظهاره وبيانه. ولما دعا الله إلى تصديق رسوله بالحجة العلمية الخُلقية من بيانه وتجاوزه ذكر بهذه النعمة العظمى في قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥].
...
محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والقرآن نور وبيان:
في هذه الآية وصف محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بأنه نور، ووصف القرآن بأنه مبين، وفي آيات أخرى وصف القرآن بأنه نور، كقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن: ٨]. ووصف الرسول بأنه مبين كقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].
وهذا ليبين لنا الله تعالى أن إظهار النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وبيانه وإظهار القرآن وبيانه واحد.
وقد صدقت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (١) " (٢).
نستفيد من هذا- أولاً- أن السنة النبوية والقرآن لا يتعارضان، ولهذا يُرَدُّ خبر الواحد إذا خالف القطعي من القرآن.
وثانياً- أن فقه القرآن يتوقف على فقه حياة النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وسنته، وفقه حياته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتوقف على القرآن، وفقه الإسلام يتوقف على فقههما.
إقتداء:
هذا نبينا- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نور وبيان، وهذا كتابنا نور وبيان؛ فالمسلم المؤمن بهما المتبع لهما له حظه من هذا البيان: فهو على ما يسر له من العلم ولو ضئيلا يبينه وينشره، يعرف به الجاهل ويرشد به الضال، وهو بذاك وبعمله الصالح كالنور يشع على من حوله، وتتسع دائرة إشعاعه وتضيق بحسب ما عنده من علم وعمل.
فعلى المسلم أن يعلم هذا من نفسه، ويعمل عليه، ويضرع إلى الله دائما في دعواته أن يمدّه بنوره، وليدع بدعاء النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الذي كان يدعو به في ذلك وهو: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن

(١) "كان خلقه القرآن" معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبّره وحسن تلاوته.
(٢) رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ١٣٩. وأبو داود في التطوع باب ٣٦. والترمذي في البرّ باب ٦٩. والنسائي في قيام الليل باب ٢. وابن ماجة في الأحكام باب ١٤. والدارمي في الصلاة باب ١٦٥. وأحمد في المسند (٦/ ٥٤، ٩١، ١١١، ١٦٣، ١٨٨، ٢١٦).


الصفحة التالية
Icon