والشهوات، وما فيها من حيرة وعماية إلى الحالة التي تطمئن فيها القلوب، كما تطمئن في النور عندما يسطع فيبدد سدول الظلام.
فباتباعهما فقط تطمئن القلوب بالإيمان واليقين، فتضمحل أمامها الشبهات، وتكسر سلطان الشهوات، فتلك الأحوال العديدة الظلمانية التي يكون فيها من أعرض عنهما، أو خالفهما، يخرج منها إلى الحالة النورانية الوحيدة، وهي حالة من آمن بهما واتبعهما كما قال تعالى: ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [المائدة: ١٦].
على العبد أن يقبل ما فيه كماله وسعادته، ومرضاة خالقه، مما هداه الله إليه برسوله وكتابه، وجعل قبوله له سبباً في توفيقه وإخراجه من الظلمات إلى النور، وعليه أن يعتقد أنه لا ينال شيئا من التوفيق وحظًّا من النور إلاّ بإذن الله، أي إرادته وتيسيره، فلا يعتمد على نفسه ولا على أعماله، وإنما يكون اعتماده على الله، فيحمله ذلك على الاجتهاد في العمل، وعدم العجب به، ودوام التوجه إلى الله، وصدق الرجاء فيه، والخوف من عقابه، ودوام المراقبة له.
ولأجل لزوم هذا الاعتماد على الله الميسر للأسباب، الذي لا يكون في ملكه إلاّ ما أراد- قرن قوله: ﴿يَهْدِي﴾ و ﴿يُخْرِجُهُمْ﴾ بقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾.
الإسلام هو السبيل الجامع العام:
ما جاء به النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والقرآن العظيم، هو دين الله الإسلام، فكل ما دل الله عليه الخلق بهما، وما وفق إليه العلم والعمل باتباعهما، فهو من الإسلام. ولهذا لما ذكر- تعالى- إرشاده وتوفيقه للذين اتبعوا رضوانه، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ذكر إرشاده وتوفيقه لهم إلى الطريق المستوي، الموصل إلى الكمال والسعادة، ومرضاة الله الجامع لذلك كله بقوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله لازم دائماً:
إن الحاجة إلى إرشاد الله وتوفيقه دائمة متجددة، فكل عمل من أعمال الإنسان وكل حالة من أحواله هو محتاج فيه إلى هداية الله ودلالته؛ ليعرف ما يرضاه الله منه مما لا يرضاه.
وهو محتاج فيه إلى توفيق الله وتيسيره ليقوم بما يرضاه منه، وشرّعه له ودلّه عليه، ولن يزال العبد- غير المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) - تغشاه ظلمات الشبهات والشهوات، فيحتاج إلى دلالة الله وتوفيقه، ليخرج منها إلى نور الإيمان والاستقامة.
فالعبد محتاج دائماً إلى الرجوع إلى كتاب الله، وما ثبت من سنة نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليهتدي إلى ما يرضي الله، مما شرّعه له من أحواله وأفعاله، وإلى ما يدفع عنه شبهاته، وينقذه من شهواته.
ومحتاج إلى التوسل بذلك الرجوع إليهما وذلك الاتباع لهما إلى الله، ليفتح له أبواب المعرفة، ويمد له أسباب التوفيق، وهذا هو القصد من صيغة المضارع، المفيدة للتجدد، في قوله تعالى: ﴿يَهْدِي﴾ و ﴿يُخْرِجُهُمْ﴾ و ﴿يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.