﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.
المعنى:
لا تنزلوا دعاء الرسول لكم إذا دعاكم إلى الحضور عنده، منزلة دعاء بعضكم بعضاً للحضور؛ فتحسبون أنفسكم مخيرين إن شئتم أجبتم وإن شئتم تخلفتم! فتارة تجيبون وتارة تتخلفون. فإجابة دعوته، والإسراع إليه واجب محتم عليكم، والتخلف أو التباطؤ- لغير عذر واضح- محرم عليكم؛ ذلك لأنه إذا دعاكم لا يدعوكم إلاّ لمصلحة قطعية وخير محقق يعود عليكم في أمر الدين أو أمر الدنيا، ففي تخلفِكم أو [[تباطئِكم]] تفويت، أو تعطيل أو تثبيط.
وإذا حضرتم مجلسه فابقوا كلكم عنده ولا تذهبوا من مجلسه واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، يتستر بعضكم ببعض عند الخروج حتى لا يراه الناس، ولا يراه الرسول، فإن الله يعلم قطعاً أولئك الذين يخرجون متسللين متسترين بعضهم ببعض، فإذا نجوا من ملام الرسول، فإنهم لا ينجون من عذاب الله.
وإذا كان الله عالماً بصنعهم ومفارقتهم لمجلس رسوله، وثلمهم لجماعته وصدهم وإعراضهم عما هم عليه هو ومن معه- فهو معاقبهم على ما ارتكبوا بالبلايا، يصبّها عليهم في الدنيا، أو العذاب الأليم ينزله بهم في الأخرى، أو يجمع لهم ما بينهما.
فليجتنب أولئك المخالفون لأمره هذه الفتنة وهذا العذاب، وليحذروا منهما، وما ذلك إلاّ بترك المخالفة والإقلاع عنها، والرجوع إلى الموافقة والاتباع.
تنظير وتعميم:
أمراء المسلمين وقادتهم، ومن يتولون أمراً من أمورهم العامة، تجب دعوتهم إذا دعوا لأمر عام وشأن مما يرتبط بما في عهدتهم من أمر الناس، وشرع إليهم، ولا يتسلل من مجالسهم، ذلك لما لهم من حق الخلافة عن الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيما كان يقوم به من أمر الناس، وتدبير شؤونهم، وضبط نظامهم، ورعاية مصالحهم.
ميزان:
كل الأقوال والأعمال توزن بأقواله وأعماله، وكل الأحوال والسير توزن بسيرته وحاله: فما وافقها فهو الحق والخير والهدى، وهو الذي يقبل من كائن من كان، وما خالفها فهو الباطل والشر والضلال، وهو الذي يرد على صاحبه كائناً من كان.
وقد ثبت أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (١).

(١) أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها البخاري في الصلح باب ٥. ومسلم في الأقضية حديث ١٧ و١٨. وأبو داود في السنة باب ٥. وابن ماجة في المقدمة باب ٢. وأحمد في المسند (٦/ ١٤٦).


الصفحة التالية
Icon