وجوه الفتنة وسببها:
مخالفة السنة النبوية والهدي المحمدي، وما كان عليه رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في تنفيذ شرع الله وتطبيق أحكامه، وتمثيل الإسلام تمثيلاً عملياً- تلك المخالفة هي سبب كل بلاء لحق المسلمين حتى اليوم، بحكم صريح هذه الآية. وقد ذكر المفسرون في تفسير الفتنة أشياء على وجه التمثيل لا على وجه الحصر والتحديد، فذكروا الكفر، والقتل، والاستدراج بالنعم، وقسوة القلب من معرفة المعروف والمنكر، والطبع على القلب حتى لا يفقه شيئاً.
وكل هذا قد أصاب المسلمين بسبب مخالفتهم.
أعظم الفتنة:
غير أن أعظم الفتنة- فيما نرى- هو ما قاله الإمام جعفر الصادق: "أن يسلط عليهم سلطان جائر" فإنه إذا جار السلطان- وهو من له السلطة في تدبير أمر الأمة والتصرف في شؤونها- فسد كل شيء: فسدت القلوب والعقول والأخلاق والأعمال والأحوال، وانحطت الأمة في دينها ودنياها إلى أحط الدرجات، ولحقها من جرائه كل شر وبلاء وهلاك.
ثم يتفاوت ذلك الفساد بحسب ذلك الجور في قدره وسعته ومدة بقائه. هذا إذا كان ذلك الجائر من جنسها ويدين- بحسب ظواهره- دينها، فكيف إذا لم يكن من جنسها ولا دينها في شيء!!
حقاً إن أعظم ما لحق الأمم الإسلامية من الشر والهلاك كله جاءها على السلاطين الجائرين منها ومن غيرها.
وهذا ما يشهد به تاريخها في ماضيها وحاضرها.
فما أصدق كلمة جعفر الصادق، وما أعمق نظره فيها!!
ومن أحق بمثلها من بيت النبوة ومعدن الحكمة؟! عليهم الرضوان والرحمة.
تطبيق وتحذير:
من أبين المخالفة عن أمره وأقبحها الزيادة في العبادة التي تعبد لله بها على ما مضى من سنته فيها، وإحداث محدثات على وجه العبادة في مواطن مرت عليه ولم يتعبد بمثل ذلك المحدث فيها.
وكلا هذين زيادة وإحداث وابتداع مذموم، يكون مرتكبه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعة لم يهتد إليها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وسبق إلى فضيلة قصر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عنها. وكفى بهذا وحده فتنة وبلاء، دع ما يجر (١) إليه من بلايا أخرى.
وقد طبق الإمام مالك- رضي الله عنه- هذه الآية الكريمة على هؤلاء المتزيدين، أحسن تطبيق وأبلغه وأردعه، لمن كان له فهم وإيمان.