أما هذا الود الذي وعد الله به الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فسببه جعل من الله له في قلوب العباد لهم، دون تردد منهم ولا توقف على تلك الأسباب، فيودهم من لم يكن بينه وبينهم علاقة نسب أو صداقة، ولا وصل إليه منهم معروف، فهذا نوع من الود خاص يكرمهم الله به، وينعم عليهم به الرحمن من جملة نعمه التي يحدثها ويجددها لهم، زيادة على ما يقتضيه الإيمان والعمل الصالح- ومنه الإحسان- من مودة القلوب.
أما سبب هذا الجعل والوضع والإيجاد من الله لهذا الود والإكرام به، فهو الإيمان والعمل الصالح، وهما سبب لإكرامات كثيرة من الله تعالى، هذا الجعل للود منها.
بشارة وتثبيت:
في الآية من سبب نزولها بشارة لدعاة الحق، وأنصار السنة، ومرشدي الأمم، عندما يقومون بدعوة القرآن في عشائرهم، ويلقون منهم النفور والإعراض والبغض والإنكار، ويجدون أنفسهم غرباء بينهم يعاديهم من كانوا أحبابهم، ويقاطعهم أقرب الناس قرابة إليهم، ويصبح يؤذيهم من كان يحميهم ويدافع عنهم.
في الآية بشارة لهم بأن تلك الحالة لا تدوم، وأنهم سيكون لهم على كلمة الحق مؤيدون، وفي الله محبون، وسيكون لهم ود في القلوب، ممن يعرفون وممن لا يعرفون.
وفيها أيضاً تثبيت لهم في تلك الغربة ووحشة الإنفراد بما يكون لهم من أنس الود، وأي ود هو!! ود يكون من جعل الرحمن.
دفع إشكال:
الآية منظور فيها إلى مجموع الذين آمنوا وعملوا الصالحات وغالبهم، فلا يشكل علينا أن منهم من يموت في غربة الحق، قبل أن يكون له على الحق أنصاره، ومنهم من يموت غير معروف من الناس.
كما أن الود الذي يجعل لهم غير منظور فيه للعموم.
فلا يشكل ببغض من يبغضهم تعصباً لهوى، أو تقليداً لضال، أو حرصاً على منفعة، ومحافظة على جاه أو منصب أو مال.
تفسير نبوي:
قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل. ثم ينادى في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء. ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً؛ دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل. ثم ينادي (جبريل) في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضو فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض» (١).