ففي الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- "أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان ينفث عن نفسه بالمعوذات" (١).
وسياق النسائي (٢) لحديث عقبة بن عامر المتقدم: "أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ وقرأت معه في الإخلاص، ثم: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. فلما ختمهن، قال: «ما تعوذ بمثلهن أحد» ".
وكما جمع - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهن في التسمية والتعوذ، جمع بينهن عملياً في قراءة الوتر.
هذا إجمال المناسبة الخاصة بين السور الثلاث.
...
رب الفلق:
قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾.
الأمر المفرد للنبي عليه السلام.
ومن حسن الأدب في مقدرات القرآن، أن تقدر في مثل هذا الأمر: أيها الرسول، أو أيها النبي، لأنهما الوصفان اللذان نطق بهما القرآن في نداء النبي عليه الصلاة والسلام، وأن لا نقدر يا محمد كما هو جار على الألسنة وفي التصانيف؛ فإن القرآن لم يخاطبه باسمه.
والأمر لنبينا أمر لنا، لأننا المقصودون بالتكليف، ولا دليل على الخصوصية، فهو في قوة: قل أنت، وقل لأمتك يقولون.
و ﴿أعوذ﴾ أستجير وألتجىء، ويتعدى هو وجميع تصاريفه بالباء كـ"أستجير". والعوذ والعياذ مصدران منه كالصوم والصيام. وفي القرآن مما جاء على المعنى اللغوي: ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ٦]. ومن كلام العرب: قد استعذت بمعاذ.
و (الرب) الخالق المكون المربي، ومواقع استعمال هذه الكلمة في القرآن هي التي تكشف كل الكشف عن معناها الكامل.
و ﴿الفلق﴾ الفجر المفلوق المفري.
ومن لطائف هذه اللغة الشريفة:
أن الفتح، والفلح، والفجر، والفلق، والفرق، والفتق، والفرى والفأ، والفقأ، والفقه | كلها ذات دلالات واحدة، وتخصيصها بمتعلقاتها باب من فقه اللغة عظيم. |
(٢) في كتاب الاستعاذة باب ١.