ومما وصف به ربنا نفسه في القرآن ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]، و ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥]، فهما من أسمائه تعالى.
ومواقع هذه الألفاظ التي تضاف إلى كلمة رب في القرآن، كمواقع أسماء المخلوقات التي أقسم بها الله؛ كلاهما عجيب معجز.
فكل لفظة تستعمل في المقام الذي يناسبها وتناسبه، وكل لفظة تبعث في الأسلوب الذي وقعت فيه متانة وقوة، وفي معناها وضوحاً وجلاء.
وسر إضافة الفلق إلى "رب" هنا: أن الفجر بمعناه العرفي هو تشقق الظلمة عن النور، فإن الليل يكون مجتمع الظلمات مسدول الأوراق، فإذا جاء الصبح حصل الانفراق، والذي يبقى بعد ذلك الانفلاق هو النور الذي نفى الظلمة، ولا ينفي ظلمات الشر والضلال والباطل إلاّ أنوار الخير والهدى والحق من خالقها وفالق أنوارها.
وكما أضيف الفلق بمعنى الفجر إلى كلمة "رب" هنا، أقسم به في آية أخرى وهي قوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ﴾.
...
الشر:
﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾.
من كل مخلوق فيه شر، فلا يدخل في عمومه إلاّ كل شرير من أي العوالم كان، كما يدخل في عموم المناطق كل ذي نطق، أو من شر كل مخلوق.
ومن مخلوقات الله ما هو خير محض كالأنبياء والملائكة.
ومعلوم أن المخلوقات كلها خلقت بحق ولحكمة، فهي في نفسها خير. فإن كان لا ينشأ من أعمالها أو آثارها إلاّ الخير فهي الخير المحض، وإن كان ينشأ عنها الشر أحياناً أو دائماً، فعملها هو الشر، وهو المستعاذ منه.
وتصبح نسبة هذا القسم إلى الله من حيث الخلق والحكمة، ونسبة أعماله إليه من حيث التقدير والتكوين؛ لا من حيث الرضا والتكليف؛ فالله لا يرضى بالشر ولا يكلف به.
وقصارى إبليس وهو مادة الشر في هذا الوجود، أن يزين الشر ويلبسه بالخير. فالشر بيد الله خلقة وحكمة، لا رضا وتكليفاً. والخير بيد الله خلقة وحكمة ونعمة وأمراً.
وقد يكون الشر ذاتياً لا ينفك، وقد يكون نسبياً: باعتبار حالة تعرض واتجاه بقصد.
ونعم الله على عباده قد تنقلب عليهم شراً وبلاء بسبب سوء تصرفهم فيها:
كالمال الذي سماه الله خيراً في القرآن- يكسبه صاحبه من الوجوه المشروعة، ويتحرى رضا الله في جمعه وتفريقه؛ فيكون خيراً بذاته وبعمل صاحبه.