ثم تكبر ولم يسجد ورضي باللعنة والخزي.
ولا أشنع من صفة يكون إبليس فيها إماماً!!
والحسد شر على صاحبه قبل غيره، لأنه يأكل قلبه، ويؤرق جفنه، ويقضّ مضجعه ولا يكون شراً على غيره، إلاّ إذا ظهرت آثاره بأن كان قادراً على الإضرار، أو ساعياً فيه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِذَا حَسَدَ﴾ والمتمني للشيء لا يمنعه من إتيانه إلاّ العجز.
وأعظم ما ينمي الحسد ويغذيه امتداد العين إلى ما متع الله به عباده من متاع المال والبنين ونعمة العافية والعلم والجاه والحكم.
وقد نهى الله نبيه عن مد العين إلى ما عند الغير فقال: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١].
وفي هذه الآية مع النهي إرشاد إلى علاج الحسد، فإن الحسد مرض نفساني معضل، ولكنه كغيره من الأمراض النفسية يعالج.
وقد وصف الحكماء له أنواعاً من العلاج، فصلتها كتب السنة وكتب الفقه النفسي ككتاب الإحياء (١) للغزالي.
...
سورة الناس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)﴾ [سورة الناس].تمهيد:
قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ قد علمنا أن الصفة الجامعة بين هذه السورة وبين التي قبلها (هي المعوذتان)، وعلمنا أنها تسمية نبوية، وقد جرت هذه الصفة مجرى الإسم لها.
أما الإسم الخاص بهذه السورة فهو (الناس) كما أن الإسم الخاص بالسورة الأولى (الفلق). والمناسبة بين السورتين يرشد إليها اشتراكهما في الوصف، وهو المعوذ بهما من الشرور المذكورة فيهما، وفي السورة الأولى الاستعاذة من الشر العام، ومن ثلاثة أنواع (٢) منه ذكرنا الحكمة في تخصيصها بالذكر. وفي هذه السورة الاستعاذة من شر واحد لكنه سبب في شرور كثيرة.
(٢) هي: شر ما خلق، وشر الغاسق إذا وقب، وشر النفاثات في العقد.