والثانية هي حالة فساده باختلال مزاجه، فتتعطل أعضاؤه أو تضعف كلها أو بعضها عن القيام بوظائفه، ويقعد هو أو يثقل عن أعماله.
هذا الذي تجده في البدن هو نفسه تجده في النفس: فلها صحة، ولها مرض، حالة صلاح وحالة فساد.
(والإصلاح) هو إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله، بإزاء ما طرأ عليه من فساد.
(والإفساد) هو إخراج الشيء عن حالة اعتداله بإحداث اختلال فيه.
فإصلاح البدن بمعالجته بالحمية والدواء، وإصلاح النفس بمعالجتها بالتوبة الصادقة.
وإفساد البدن بتناول ما يحدث به الضرر، وإفساد النفس بمفارقة المعاصي والذنوب. وهكذا تعتبر النفوس بالأبدان في باب الصلاح والفساد، في كثير من الأحوال، غير أن الاعتناء بالنفوس أهم وألزم، لأن خطرها أكبر وأعظم.
إن المكلف المخاطب من الإنسان هو نفسه، وما البدن إلاّ آلة لها ومظهر تصرفاتها، وإن صلاح الإنسان وفساده إنما يقاسان بصلاح نفسه وفسادها. وإنما رقيه وانحطاطه باعتبار رقي نفسه وانحطاطها، وما فلاحه إلاّ بزكائها، وما خيبته إلاّ بخبثها. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ١٠، ٩].
وفي الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة (١) إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (٢).
وليس المقصود من القلب مادته وصورته، وإنما المقصود النفس الإنسانية المرتبطة به.
وللنفس ارتباط بالبدن كله، ولكن القلب عضو رئيسي في البدن، ومبعث دورته الدموية، وعلى قيامه بوظيفته تتوقف صلوحية البدن، لارتباط النفس به. فكان حقيقاً لأن يعبر به عن النفس على طريق المجاز.
وصلاح القلب- بمعنى النفس- بالعقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، وإنما يكونان بصحة العلم، وصحة الإرادة، فإذا صلحت النفس هذا الصلاح صلح البدن كله، بجريان الأعضاء كلها في الأعمال المستقيمة. وإذا فسدت النفس من ناحية العقد، أو ناحية الخلق، أو ناحية العلم، أو ناحية الإرادة... فسد البدن، وجرت أعمال الجوارح على غير وجه السداد.
(٢) أخرجه من حديث النعمان بن بشير: البخاري في الإيمان باب ٣٩. ومسلم في المساقاة (حديث ١٠٧) وابن ماجة في الفتن باب ١٤. والدارمي في البيوع باب١. وتمام الحديث كما في البخاري: «الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس؛ فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».