فصلاح النفس هو صلاح الفرد، وصلاح الفرد هو صلاح المجموع والعناية الشرعية متوجهة كلها إلى إصلاح النفوس: إما مباشرة وإما بواسطة.
فما من شيء مما شرعه الله تعالى لعباده من الحق والخير والعدل والإحسان إلاّ وهو راجع عليها بالصلاح.
وما من شيء نهى الله تعالى عنه من الباطل والشر والظلم والسوء إلّا وهو عائد عليها بالفساد.
فتكميل النفس الإنسانية هو أعظم المقصود من إنزال الكتب، وإرسال الرسل، وشرع الشرائع.
وهذه الآيات الثمان عشرة قد جمعت من أصول الهداية ما تبلغ به النفوس- إذا تمسكت به- غاية الكمال.
قد أمر تعالى في الآيات المتقدمة بعبادته والإخلاص له.
وأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما في الظاهر والباطن.
كما أمر بغير ذلك في الآيات اللاحقة. ووضع هذه الآية أثناء ذلك، وهي متعلقة بالنفس وصلاحها.. لينبه الخلق على أصل الصلاح الذي منه يكون، ومنشؤه الذي منه يبتدىء. فإذا صلحت النفس قامت بالتكاليف التي تضمنتها هذه الآيات الجامعة لأصول الهداية، وهذا هو وجه ارتباط هذه الآية بما قبلها وما بعدها، الذي يكون قبل التدبر خفياً.
ونظير هذه الآية في موقعها ودلالتها على ما به يسهل القيام بأعباء التكاليف- قوله تعالى:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨].
فقد جاءت أثناء آيات أحكام الزوجية آمرة بالمحافظة على الصلوات، تنبيهاً للعباد على أن المحافظة عليها على وجهها، تسهل القيام بأعباء تكاليف تلك الآيات، لأنها تزكي النفس بما فيها من ذكر وخشوع وحضور وانقطاع إلى الله تعالى، وتوجه إليه، ومناجاة له.
وهذا كله تعرج به النفس في درجات الكمال.
والنفوس الزكية الكاملة تجد في طاعة خالقها لذة وأنساً تهون معهما أعباء التكليف.
ثم إن العباد بنقص الخلقة وغلبة الطبع.. معرضون للتقصير في ظاهرهم وباطنهم في صور أعمالهم ودخائل أنفسهم- وخصوصاً في باب الإخلاص- فذكروا بعلم ربهم بما في نفوسهم في قوله تعالى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ ليبالغوا في المراقبة فيتقنوا أعمالهم في صورها ويخلصوا بها له. وهذه المراقبة هي الإحسان الذي هو عبادتك الله كأنك تراه (١).