وذكر اسم الرب لأنه المناسب لإثبات صفة العلم، فهو الرب الذي خلق النفوس، وصورها ودبرها. ولا يكون ذلك إلاّ بعلمه بها في جميع تفاصيلها وكيف يخفى عليه شيء وهو خلقها؟ ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الحبير﴾ [الملك: ١٤]. ؟!.
والصالحون في قوله تعالى: ﴿إن تكونوا صالحين﴾، هم الذين صلحت أنفسهم فصلحت أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم (١).
وصلاح النفس وهو صفة لها.. خفي كخفائها؟ وكما أننا نستدل على وجود النفس وارتباطها بالبدن بظهور أعمالها في البدن، كذلك نستدل على اتصافها بالصلاح وضده بما نشاهده من أعمالها:
فمن شاهدنا منه الأعمال الصالحة- وهي الجارية على سنن الشرع، وآثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حكمنا بصلاح نفسه، وأنه من الصالحين.
ومن شاهدنا منه خلاف ذلك حكمنا بفساد نفسه، وأنه ليس منهم.
ولا طريق لنا في معرفة صلاح النفوس وفسادها إلاّ هذا الطريق. وقد دلنا الله تعالى عليه في قوله تعالى:
﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)﴾ [آل عمران: ١١٣ و١١٤].
فذكر الأعمال، ثم حكم لأهلها بأنهم من الصالحين. فأفادنا: أن الأعمال هي دلائل الصلاح، وأن الصلاح لا يكون إلاّ بها، ولا يستحقه إلاّ أهلها.

= الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمَة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهم إلاّ الله. ثم تلا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن الله عنده علم الساعة. ثم أدبر، فقال: ردوه! فلم يروا شيئاً. فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم». أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣٧، وهذا لفظه. ومسلم في الإيمان (حديث ١ و٥ و٦ و٧) وأبو داود في السنة باب ١٦. والترمذي في الإيمان باب ٤. والنسائي في الإيمان باب ٥ و٦. وابن ماجة في المقدمة باب ٩. وأحمد في المسند (٢/ ١٠٧، ١٣٢).
(١) ربط الطبري الصلاح في هذه الآية بما تقدم قبلها من أمره بالإحسان إلى الوالدين، فقال في تفسيره (٨/ ٦٥): «وقوله: إن تكونوا صالحين؟ يقول: إن انتم أصلحتم نياتكم فيهم وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم والقيام بحقوقهم عليكم بعد هفوة كانت منكم أو زلة في واجب لهم عليكم مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوابين بعد الزلة والتائبين بعد الهفوة غفورا لهم".


الصفحة التالية
Icon