بغير حرفه المعتاد؟ وكيف نفسر بعض الشواهد التي تخرج فيها الحروف عن معانيها المعتادة أو خصوصياتها؟ أقول: هذه عادة للعرب مألوفة وسنة مسلوكة: إذا أعطَوا شيئاً من شيء حكما قابلوا ذلك بأن يُعطوا المأخوذ منه حُكما من أحكام صاحبه، عمارة لبينهما، وتتميما للشبه الجامع بينهما. (فشرب) أعطيناه حكما من أحكام صاحبه (استمتع) في تعديته بالباء عمارة لبينهما، وحين غمض تفسير هذه الظاهرة على علمائنا الأجلاء، ساقهم الاجتهاد العقلي إلى افتراضٍ قدَّروه
لتعليل هذه الظاهرة هو: (التضمين) وغالبا يكون الافتراض سبيلا للتعليل والتفسير منذ القديم.
جاء في حاشية السجاعي على القطر لابن هشام أن أول من قدر التضمين البياني هو السعد أخذاً من عبارة وقعت للزمخشري في الكشاف على ما ذكره ابن كمال باشا في رسالة التضمين.
وجاء في أمالي السهيلي ما يلي: وتعدية (يخالف) بـ (عَنْ) في قوله تعالى: (يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) محمول على ينحرفون أو يروغون، ومثله تعدية رحيم بالباء في قوله تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) حملا على رؤوف (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ألا تقول: رافت به، ولا تقول: رحمت به؟
والرفث بمعنى الإفضاء في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ومنها الإحماء في قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا


الصفحة التالية
Icon