والباء. جعل السيوطي على بمعنى في (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ) وجعل في بمعنى مع (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) وابن هشام جعل الباء بمعنى مع (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ).
وإنَّمَا قالوا بتناوبها عندما عجزوا عن استشفاف معانيها. فإذا كانت هذه الحروف تَهي عن حَفل معناها لعواني ذواتها، فكيف بها تتجشم احتمال سواها مما يعاورها أو تنوب عنه؟! إن غياب الحرف المألوف مستبدلا بسواه يُنبئ بولادة معنى جديد. إجماع بعض المفسرين على تضمين حرف معنى حرف
ليس بحجة، فالحرف لا يقوم معناه بنفسه فكيف يتضمن معنى سواه؟ وتخصيص العليم في تنزيله لحرف ما واختياره إياه، فيه من المَنْبَهة والحكمة ما يُشير إلى امتيازه؛ والإبداع إنما كان في اختياره، والنجاح يكون في التعويل عليه دون سواه، والعبرة في النهاية هي في الكشف عن سره حين خرج عن مألوفه.
إنك إن قلت ما قالوا ضللت الطريق وابتعدت عن مطلوبك، بل انظر إلى التركيب بجُمعه. فالأفعال لا تعطي فائدتها المرجوة حتى تأخذ ضربا من التركيب، وفي هذا التركيب لا بُد من فتح قنوات اتصال بين مفردات الجملة ليؤدي كل لفظ دوره، فالمرونة في التعامل مع الجوار للإحاطة بأبعاد كل
لفظ. والرؤية الشمولية في المعالجة تتجاوز ضيق الأفق، وتبقى مفتوحة الأعين على البدائل الأخرى لتسمع توجيه المعنى عند الآخرين. فلو غيرت في هذه
الحروف التي تعدت بها والتي بخصوصيتها أفادت لأخرجتها من كمال بيانها إلى جفاف معناها، وضيق أفق مدلولها. وكلم من أفعال انحطت عن رتبتها حين قطعناها عن حروفها بدعوى تعاورها أو بزعم مَنْ جعلها زائدة، فازدرتها


الصفحة التالية
Icon