(حضر) كما ذكر الزمخشري وأبو حيان تكشف عن بعض المراد، ولكن لا تجلي عنه، وإنما القصد في الإتيان: القبول كما قال الطبري، والآلوسي يعللون أثر القرآن المزلزل في نفوسهم بشتى العلل حائرين.
أتقبلون السحر وترضوْنه وأنتم أصحاب عقول؟ فالذي جاءكم به إنما هو بشر فكيف تأتون السحر أي تقبلونه وتتبعونه وتعتقدونه؟ فتضمين الإتيان معنى القبول والاتباع والاعتقاد يكشف عن حقيقة هؤلاء الظالمين المنحلين العابثين بالقيم. كلما جاءهم من القرآن جديد تلقوه باللهو والاستهتار، واستمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم، فرغت من القداسة فانتهت إلى التفاهة، تلهو بالمقدسات ولا تضطلع بواجبات.
إنها صور بشرية تتردد في كل زمان، مريضة لا هدف ولا قِوام.
ويبقى على اللسان سؤال: لم قال (تأتون) بدلا من (تقبلون)؟ وأجيب: اللفظ في كتاب اللَّه مشع فلو قال: تقبلون السحر لحصر المعنى في قبوله لا غير، وإنما تريد الآية أن يكون القبول واحداً من دلالات الفعل كما مر:
تقبلونه، وتتبعونه، وتعتقدونه، و... فكيف تصرفت الحال فالاتساع فاشٍ في مناحي القول فيه، وللعرب ألفاظ متشعبة في دلالتها تقضي بها حوائجها. ثم كيف تأتي أمرا ما تحضر مجلسه وتُقبل عليه، إن لم تكن على قناعة به وقبول؟! فجمع التضمين المعنيين الإقبال عليه... وقبوله... ، وفاز بالحسنيين.
وإذا السؤال مع النَّوال بَذَلته | أعطاكه سَلِساً بغير مَطالِ |