أقول: لعل تضمين (أخذ) معنى (فاز وظفر) والمتعديان بالباء أعون على استشفاف الغرض مما يأنس لصحته السياق، وتستجيب له أوضاع اللغة، فلا زيادة ولا حذف ولا تأويل ويكون المعنى: وأمر قومك يظفروا بأحسنها.
ولعل حسنها ما يؤخذ بقوة وعزيمة لأنه الأصلح لحالهم، فقد تعرض بنو إسرائيل لصنوف الإرهاب من طواغيت مصر وعبودية فراعنتها، فأفسدهم طول الذل والخنوع، فاحتاجوا معه إلى هذا التوجيه الرباني من شد العزيمة - (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا) - لتربية الطبيعة الرخوة بل والمنحرفة، ولينشؤوا على الجد والاستقامة فلا يهربون من تكاليف العقيدة الشاقة ولا يأخذون بالرخص. والسؤال: لم جاء التعبير بالأخذ بدلا من الفوز والظفر؟ وأجيب: (الأخذ) لا يحصل إلا عن تصميم وعزيمة واجتهاد وبذل طاقة ومشقة.
وأما (الفوز والظفر) فقد يحصل بالتوفيق منحة من غير اجتهاد أو عمل.
فالتضمين جمع الحسنيين: العزيمة والاجتهاد مع توفيق من اللَّه وإلطاف. والتضمين قل ما يأتي صريحاً وإنما يجيء من طريق تخفى ومسلك يدق، ولهذا تجد أكثر الناس يضعف عن احتماله لدقته ولطفه، ولو قال سبحانه:
(يظفروا) بدلا من (يأخذوا) لضاع علينا معنى بذل الطاقة للحصول على المطلب، ولو قال يأخذوا أحسنها لغاب عنا معنى الفوز والظفر | إنه التضمين يجعل في اللفظ رعشات بيان من نور المادة اللغوية يكشف المستور وينير السبيل، وتتسع به الآفاق. |