قَال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)
يقول العز بن عبد السلام: ضمن يأكلون في بطونهم معنى يحتوون أو يُلقون أو يطرحون أو يُدخلون لأن الأكل لا يقع في البطون وإنما في الأفواه.
أقول: من أكثر الأوصياء تؤكل أموال اليتامى رغم احتياطات قضاة الشرع ورقابة الهيئات الحكومية.
كلا... لا يفلح فيها إلا التقوى، وهي وحدها تتكفل برقابة الضمير الذي لا يستقيم إلا عندما يحس أن اللَّه مطلع عليه وأن اللَّه معه.
فإن قلت: لماذا سمى سلْب أموال اليتامى ونهبها أكلا؟ أكان لجأ إلى المجاز لضيق الحقيقة؟!... كلا بل لأن العرب تأنف من كثرة الأكل وتنسب
البطنة إلى البهائم وهي أقبح الملاذ، ولذلك أطلق على سلب مال اليتيم لفظ الأكل لينفر النفوس بمقتضى الفطرة، ومثلها (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا) و (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) ولفظ البطون إنما جره الأكل للتأكيد على شناعة جريمة المعتدين على أموال الأيتام، فجعل في هذه البطون نارا. فضمن الأكل معنى النبذ إنما ينبذون في بطونهم نارا فالتضمين أعان على استكمال قبح صورة الأكل، وكأنَّه شيء ينفر منه الطبع وتتقزز منه النفس فتنبذه أو تلقيه أو تطرحه، وأين يُرمى وُينبذ؟ في البطون... وكأنَّها مجامع القمامات أو محرقة للنفايات. إنها الألفاظ جُعلت مصايد وأشراكا لاصطياد المعنى المطلوب وتحصيله.


الصفحة التالية
Icon