أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها، لكن النحاة لم يتعرضوا له، وتردد السُبكي في وروده، والحق أنه استعمال صحيح. هذا رأي أغلب علماء الأصول فلا وجود للحروف وهي منعزلة، بل ولا تأخذ معناها اللغوي إلا عند دخولها كعناصر ارتباط في تركيب ما.
وهذا ما قاله (فندريس) حين ميّز بين طائفتين من الكلمات: الفارغة والمليئة. فالأولى هي (دوال النسبة) وجعل منها حروف الجر في الفرنسية.
وقال: من المستحيل ترجمة هذه الكلمات في القاموس إذ ليس لها معنى مشخّص، فهي عوامل تقويمٍ أو قيم جبرية، أو روابط كيميائية، ومن ثمّ لم تكن توجد منعزلة، والثانية كلمات مليئة هي (دوال الماهية) ويرى فندريس أن هذه الحروف أو الروابط ليست إلا بقايا كلمات قديمة أُفرغت عن معناها الحقيقي واستعملت مجرد رموز.
ولعل وظيفة فقه اللغة أن يتناول في هذا البحث إرجاع هذه الأدوات إلى أصولها لمعرفة المعنى الوظيفي الذي تؤديه من خلال التركيب، ومجمل القول في تعريف الحرف لدى علماء الأصول أنه وحده لا معنى له أصلاً وهو في ذلك نظير الحركات الإعرابية حيث هي علامات على الفاعل والمفعول والمجرور في الرفع والنصب والجر، فهي - أي الحروف - موضوعة لمعان في غير ألفاظها. فالحرف لا يدخل فيه المجاز ولا يتحمل التضمين لأن معناه غير مستقل بنفسه، ولكننا حين نضعه في سياق معين، يتفتح عن رصيده المذخور


الصفحة التالية
Icon