ولو وقفت على لفظة ما في مجموعة من النصوص لقالت لك: أنا هنا في معنى وهناك في آخر: هذا (عجل) يتعدى بنفسه: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) (١) كما يتعدى بـ (إلى): (وعجلتُ إليكَ ربِّ لِتَرْضَى) (٢) ويتعدى بـ (على): (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) (٣)، ويتعدى بالباء: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) (٤) ويتعدى باللام: (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) (٥) ويتعدى بعن: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) (٦) ويتعدى بـ (في): (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) (٧)، ويتعدى بـ (مِن) (مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٨)، وهو يطالعك في كل مورد بطابع جديد عليه خاتم مَصنعه يفضه السياق ومفتاحه التضمين فهو لذلك وبذلك لا يقبل الحدود، والتوردُ له وَعر المسلَك، مقامه زَلخ.
فالعدول من حرف إلى حرف لغير معنى جديد لا وجه له، وكثير من النحاة أصروا بجَدْع الأنف أن يلزمونا بتضمين الحروف عند هذا العدول، وهيهات.. فاللغة ليست ملكاً لهم.
وربما أخذوا على المعاجم ضيق الأفق، وأنها لا تعطي اللفظ حقه في رسم آفاقه وتحديد أبعاده.
أجل.. يكشف اللفظ عن معناه حين يسلك في نظم ويندرج في تعبير، له في سياقه غرض ولكل غرض في مناحي البيان أسلوب، يُديره الكاتب على طريقة، يُصيب بها مواقع الشعور، يكشف الجمال فيظهره، ويتناول السر فيعلنه، ولولا ذلك لبقيت القلوب على ودائعها مُقْفلة، والقرائح معزولة،
_________
(١) الأعراف: ١٥٠.
(٢) طه: ٨٤.
(٣) مريم: ٨٤.
(٤) طه: ١١٤
(٥) الكهف: ٥٨.
(٦) طه: ٨٣.
(٧) البقرة: ٢٠٣.
(٨) يونس: ٥٠.