بالإيمان تشريفا لها. ويرى الجمل: أن بأيمانهم أي في جهة أيمانهم.
وقيل: عن جميع جهاتهم، وخص اليمين لأنها أشرف الجهات. وقرأ أبو حَيْوة وسهل بن شعيب: بإيمانهم بكسر الألف، والباء سببية. وقال أبو البقاء: بإيمانهم استحقوه، الباء للاستحقاق وبإيمانهم يقال لهم بشراكم. أهـ.
السمين الحلبي. وبأيمانهم أي عن أيمانهم قال ذلك الخازن.
أقول: صورة وضيئة ومشهد من مشاهد التكريم. تضمين (يسعى) معنى (يُضيء) ويشع وهو يتعدى بالباء، ومعناه: نورهم يُضيء بين أيديهم كما يُضيء بأيمانهم، وقد صارت مشاعل لكل سُدْفة يُبددها، فليست الباء بمعنى (عن)، ولا في الجهة، ولا للسبب، ولا للإلصاق، ولا للاستحقاق، وإنما هي على أصلها، فليس ممشى النور بين أيديهم في هذا المشهد الجميل إلا شعارا لطيفا هادئا يفيض إشراقا من أرواحهم ويُضيء بأيمانهم ويغلب على طينتهم، لينير لهم الطريق. فمسعاه لأجل إضاءته، وإضاءته نتيجة لمسعاه.
واختيار (سعى) بدلا من أضاء فيه إعزاز لهم وتكريم، فنورهم كالسُّعاة والخدم يمشي بين أيديهم وبأيمانهم يحمل المشاعل، فمشكاتها من حياة القلوب وكنوز البصائر، وتسمع بعدها من آيات التكريم تزلت لهم الملائكة أحلى البشائر: (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ).
ولولا التضمين في تعدية الفعل بغير حرفه لما انصرف لفظ السعي إلى معنى الإضاءة مضموما إلى مثيله (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، ذاهبا في مجاري استحسانه كل مذهب، وفي مواقع إتقانه وإحكامه كل موقع، يُضيء نورهم


الصفحة التالية
Icon