قَالَ تَعَالَى: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) (١).
قال الحوفي: (رَجُلًا): منصوب بـ (سَوَّاكَ) مفعول به ثانٍ أي جعلك رجلا فعدى سَوَّى إلى اثنين أي على التضمين: ذكره أبو حيان والجمل.
وذكر الزمخشري ومثله البيضاوي: سَوَّاك رجلا: عدَّلك وكمَّلك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال، ومثله قال الآلوسي: عدَّلك وكمَّلك إنسانا ذكرا، ثم إنه يستعمل بمعنى الخلق والإيجاد كما في قوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) فإذا قرن بالخلق والإيجاد كما هاهنا فالمراد به الخلق على أتم حال وأعدله حسبما تقتضيه الحكمه. ونَصبُ (رجلا) على ما قال أبو حيان: على الحال محوج إلى التأويل، والتضمين لا يحتاج إلى تأويل.
وقال أبو السعود: سَوَّاكَ رجلا: أي صيرك رجلا وبذلك عداه لمفعولين. وأما في قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) فلم يتضمن معنى التصيير، ولذلك لم يتعد إلى مفعولين.
أقول: ها هو صاحبه الفقير لا مال عنده ولا ثمر، لكنه معتز بربه، بعقيدته وإيمانه، يخاطب صاحبه المغرور، منكرا عليه بطره وكِبره، مذكرا إياه بمنشئه المهين من ماء وطين، وينذره عاقبة الكبرياء...
إنها عزة المؤمن، لا تعرف المداراة مع الأغنياء، ولا تبالي بأصحاب الجاه أو السلطان، ولا تجامل مع الأصحاب تجهر بالحق في أقسى