عينا يشرب بها عباد الله. قال الطبري: يشرب بها: يروى بها وينتفع، وقيل: يشرب بها ويشربها بمعنى واحد. وقال النيسابوري: يشرب بها: (الباء) بمعنى (مع) مثل شربت الماء بالعسل. ومثله الرازي. وكذلك البروسوي. وقال ابن قيم الجوزية: إنهم يضمنون يشرب معنى يروى فيعدونه بالباء التي تطلبها فيكون في ذلك دليل على الفعلين: أحدهما بالتصريح والثاني بالتضمن والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غاية الاختصار، وهذا من بديع اللغة ومحاسنها وكمالها، وهذا أحسن من أن يقال: يشرب منها فإنه لا دلالة فيه على الري. وأن يقال: يروى بها لأنه لا يدل على الشرب بصريحه بل باللزوم. فإذا قال: يشرب منها دل على الشرب بصريحه وعلى الري بخلاف الباء فتأملْه. أ. هـ.
أقول: ما أشار إليه شمس الدين بن قيم الجوزية والزمخشري وغيره: في تضمين فعل (شرب) معنى (روي) مخدوش: فالري من الماء ونحوه لا يكون إلا عن ظمأ، وأهل الجنة لا يظمؤون، قَالَ تَعَالَى: (لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى). وإنَّمَا ينصرف معنى الشرب إلى التلذذ والاستمتاع والمتعدي بالباء، فجاءت الباء عناية بما وراءها ووصولا لإدراك مطلبها ولو جاءت الآية: عينا يتلذذ بها عباد اللَّه ويستمتع، لانصرف إلى إمتاع البصر في انفجار الماء من العين وتدفقها، أو إمتاع الجسد بالتحمم والابتراد، أو إمتاع السمع بخرير الماء لدى تدققه، أو إمتاع النفس بجمال المشهد الكلي يتفتح عن رصيده المذخور، وإيحائه المتجدد.