وأُجيب بمنع الملازمة بين قصد العموم باللفظ وجواز تخصيص السبب بالاجتهاد؛ لأن اللفظ ورد بياناً لحكم السبب فكان مقطوعاً به فيه فلذلك امتنع تخصيصه بالاجتهاد بخلاف غيره من الصور، فإن الخلاف جارٍ في كونه بيانًا لها أو لا، فكان تناوله لها مظنوناً، فلذلك جاز إخراجها عن عموم اللفظ بالتخصيص بالاجتهاد.
ثالثاً: لولا اختصاص الحكم بسببه لما نقل الراوي السبب؛ لأن نقله على هذا التقدير يكون عديم الفائدة، لكن لما نقل الرواة أسباب الأحكام، وحافظوا على نقلها دل ذلك على اختصاص الحكم بالسبب.
وأجيب بأنا لا نسلم أن نقل السبب لا فائدة له بل له فوائد:
منها: بيان أخصية السبب بالحكم، أي أن السبب أخص بالحكم من غيره من صوره فيمتنع تخصيصه على ما سبق فيه.
ومنها: معرفة تاريخ الحكم بمعرفة سببه، وفي معرفة التاريخ فائدة معرفة الناسخ من المنسوخ.
ومنها: توسعة علم الشريعة بمعرفة الأحكام بأسبابها.
ومنها: التأسي بوقائع السلف، وما جرى لهم، فيخف حكم المكاره على الناس.
رابعاً: أن العام الوارد على سبب خاص، جواب له، والأصل في جواب السؤال أن يكون مطابقاً له، فلو كان هذا العام مراداً به العموم لم يكن مطابقًا، بل يصير ابتداء كلام فدل ذلك على أنه مراد به الاختصاص بسببه.
وأجيب: بأنه إن أُريد بمطابقة الجواب للسؤال الكشف عنه وبيان حكمه فقد وجد. وإن أُريد بها أن يكون الجواب مساوياً للسؤال فلا يكون بياناً لغير ما سُئل عنه فلا نسلم أنها الأصل. ولهذا لما سأل اللَّه موسى بقوله: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)، فقد كان يكفي في الإجابة قوله: (هِيَ عَصَايَ) ولو كان الاقتصار على نفس المسؤول عنه هو الأصل لكان بيان موسى - عليه السلام - لذلك على خلاف الأصل.