قال الزركشي: (فهذا كان في المدينة، وسورة هود مكية بالاتفاق ولهذا أشكل على بعضهم هذا الحديث مع ما ذكرنا ولا إشكال لأنها نزلت مرة بعد مرة). اهـ.
وما ذكره الزركشي لا ريب أنه ضعيف، وقوله: إنها مكية بالاتفاق ليس بصحيح فقد قال ابن عبَّاسٍ وقتادة: إنها مدنية، وحسبك. بهما، ولا مانع أن تكون السورة مكيةً وهذه الآية منها مدنية لوجود السبب الدال على ذلك، وحينئذ ينتفي القول بتكرر النزول.
رابعاً: قال الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦).
أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن أُبيّ بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أحد أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنربينَّ عليهم، قال: فلما كان يوم فتح مكة فأنزل الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفوا عن القوم إلا أربعة).
قال ابن الحصار: (إنها نزلت أولاً بمكة قبل الهجرة مع السورة لأنها مكية، ثم ثانيًا بأحد، ثم ثالثًا يوم الفتح تذكيرًا من الله لعباده). اهـ.
وعندي - واللَّه أعلم - أن ما ذكره ابن الحصار في تكرر النزول ثلاث مرات قول ضعيف لا يستند إلى دليل.
والعلماء متفقون على أن الآية نزلت لما همَّ الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن يضاعفوا العقوبة بالمشركين حين مثَّلوا بشهدائهم يوم أُحد.
قال ابن عطية: (أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد). اهـ.