ثم ذكر أمثلة حتى انتهى إلى قوله: وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزل، بحيث لو فُقد ذكر السبب، لم يُعرف من المنزل معناه على الخصوص دون تطرق الاحتمالات، وتوجه الإشكالات.
وقد قال ابن مسعود في خطبة خطبها: واللَّه لقد علم أصحابُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني من أعلمهم بكتاب اللَّه، وقال في حديث آخر: والذي لا إله غيره ما أُنزلت سورة من كتاب اللَّه إلا أنا أعلم أين أُنزلت؟ ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أُنزلت؟ ولو أعلم أحداً أعلمَ بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه.
وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالماً بالقرآن.
وعن الحسن أنه قال: ما أنزل اللَّه آية إلا وهو يحب أن يُعلم فيم أُنزلت وما أراد بها؟ وهو نص في الموضع مشير إلى التحريض على تعلم علم الأسباب). اهـ باختصار.
ومن آيات القرآن التي كان لسبب النزول أثر في دفع الإشكال عنها ما يلي:
١ - أخرج البخاري ومالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة - رضي الله عنها - أرأيت قول اللَّه - تبارك وتعالى -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فلا أُرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: كلا، لو كانت كما تقول، كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أُنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانت مناةُ حذو قُديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فأنزل اللَّه تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا).