والجواب: لا؛ لأن هذا لا ينهي القضية فلئن كانت رائحةُ العسل هذا ريحَ مغافير فليس كل العسل كذلك. وهن يعلمن هذا تماماً.
وبهذه الوجوه الخمسة يتبين الدليل الأول على أن العسل لا صلة له بآيات السورة.
الدليل الأول: أن سبب اجتماعهن عليه ليس بسبب شرب العسل، بل بسبب احتباسه زمنا أكثر عند صاحبة العسل ولهذا قالت عائشة: فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغِرت فسألت عن ذلك فقيل لي: أَهدت لها امرأة من قومها عُكةً من عسل، فسقت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه شربةً فقلت: أما والله لنحتالن له.
فعائشة غارت قبل علمها بالعسل، لكنها اتخذت من العلم بالعسل وسيلةً للحيلة فعلم بهذا أنه لم يكن مقصودهن العسل حتى يرضيهن بتحريمه أو تركه، بل منعه من الاحتباس زمناً أكثر عند صاحبة العسل.
الدليل الثالث: أن الامتناع من شرب العسل لم يكن ابتغاء مرضاتهن لأنهن يعلمن من قبل أنه يحب العسل والحلواء - كما قالت عائشة - وإذا كان يحبهما فسيتناولهما إذا وجدهما فليس في الأمر جديد.
وقول سودة لما ترك شربه مرة ثانية عند حفصة: واللَّه لقد حرمناه يشير إلى أن حرمانه منه ليس مقصوداً لهن لكنه وقع تبعاً لذلك.
وإنما الدافع لامتناعه أَنَفَةً من رائحته، ولجوؤهن إلى ذكر الرائحة مع ترك أصلها يدل على هذا.
الدليل الرابع: أن أكثر السلف يقولون إن سبب نزول الآيات قصة الجارية. فقد روى الطبري ذلك عن ابن عبَّاسٍ، والحسن، وقتادة، والضحاك، ومسروق، والشعبي، وزيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد.
وزاد ابن الجوزي على هؤلاء سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، ومقاتل ونسب هذا القول إلى الأكثرين.
وقال الشوكاني: (اختُلف في سبب نزول الآية على أقوال، الأول قول


الصفحة التالية
Icon