قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا وشخطنا وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه وينيبوا إلى طاعته (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) يقول: وما يتذللون له.
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أخذ الله قريشًا بسني الجدب إذ دعا عليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وذكر البغوي وابن عطية والقرطبي الحديث بلفظ مقارب.
قال البغوي: (وذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط فجاء أبو سفيان إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أنشدك الله والرحم، ألستَ تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟
فقال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط، فدعا فكشف عنهم فأنزل اللَّه هذه الآية (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) أي: ما خضعوا وما ذلوا لربهم (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم) اهـ.
وقال ابن عطية: (هذا إخبار من اللَّه تعالى عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع هذا قول روي عن ابن عبَّاسٍ وابن جريج أن العذاب هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها) اهـ.
وقال السعدي: (قال المفسرون: المراد بذلك الجوع الذي أصابهم سبع سنين وأن اللَّه ابتلاهم بذلك ليرجعوا إليه بالذل والاستسلام، فلم ينجع فيهم ولا نجح منهم أحد، فما خضعوا وذلوا بل مر عليهم ذلك ثم زال كأنه لم يصبهم لم يزالوا في غيهم وكفرهم) اهـ بتصرف يسير.
وقال الشنقيطي: (ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ الكفار بالعذاب والظاهر أنه هنا العذاب الدنيوي كالجوع والقحط والمصائب