هذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في شأن الدخان فمنهم من اختار حديث ابن مسعود هذا كالطبري وابن عطية وابن عاشور.
قال الطبري: (وأولى القولين بالصواب في ذلك ما رُوي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرتقبه هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم؛ لأن اللَّه جل ثناؤه توعد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) في سياق خطاب اللَّه كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ)، ثم اتبع ذلك قوله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أمرا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه، وتهديدًا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم.
وبعد فإنه غير منكر أن يكون أَحلَّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم ويكون مُحِلًّا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندنا كذلك لأن الأخبار عن رسول اللَّه - ﷺ - قد تظاهرت بأن ذلك كائن) اهـ بتصرف.
وقال ابن عطية: (وقالت فرقة منها عبد اللَّه بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبع كسبع يوسف... حتى قال: وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل) اهـ.
وقال ابن عاشور: (فالمراد بالناس من قوله: (يَغْشَى النَّاسَ) هم المشركون كما هو الغالب في إطلاق لفظ الناس في القرآن، وأنه يكشف زمنًا قليلاً عنهم عذارا لهم لعلهم يؤمنون وأنهم يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا عليه، وأن الله يعيده عليهم كما يؤذن بذلك قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) وكل ذلك يؤذن بأن العذاب بالدخان يقع في الدنيا وأنه مستقبل قريب، وإذ قد كانت