«كل كلام»، ويروى «بذكر الله»، ويروى «فهو أقطع»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «كل كلام لم يبدأ فيه ببسم الله جاء معكوسا».
فإن قيل: قد يبدأ الناظم ببسم الله ولم بدأ بالحمد بل جعله ثالثا قيل: تثليثه به لا يخرجه عن البداءة، لأن الجميع أعني الحمد وما تقدمه مبدوء به لأنه ذكره قبل الشروع في الأحكام التي ضمنها هذا النظم، فهو مبدوء به واتفق وقوعه في البداءة ثالثا، والعلاء بفتح العين يلزمه المد وهو الرفعة والشرف، وأتى به في قافية البيت على لفظ المقصور.
وبعد، فحبل الله فينا كتابه | فجاهد به حبل العدا متحبّلا |
أي: وبعد هذه البداءة فحبل الله فينا كتابه، جاء في تفسير قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [الفرقان: ٥٢]، أنه القرآن، وقال عليه الصلاة والسلام:
«هو حبل الله المتين». وقوله:
«فجاهد به»، أي بالقرآن، كما قال تعالى: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ [الفرقان: ٥٢] أي بحججه وأدلته وبراهينه. والحبل بفتح الحاء يستعار للسبب، والقرآن سبب المعرفة، لأنه وصلة بين العبد وبين ربه. والحبل بكسر الحاء: الداهية، والعدا اسم جمع والمشهور فيه كسر العين، وحكى ثعلب ضمها فإن قيل: عداة بالهاء فالضم لا غير. قوله: متحبلا، يقال: تحبل الصيد إذا أخذه بالحبالة وهي الشبكة، أي: انصب الحبائل للأعداء من الكفرة والمبتدعين، لتصيدهم إلى الحق أو تهلكهم بما تورده عليهم من ذلك، والمراد بالحبائل أدلة القرآن اللائحة وحججه الواضحة.
وأخلق به إذ ليس يخلق جدّة | جديدا مواليه على الجدّ مقبلا |
أخلق به لفظه من لفظ الأمر ومعناه التعجب، وهو كقولك: ما أخلقه، أي ما أحقه، والهاء في
«به» للقرآن، وإذ هنا تعليل مثلها في قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ [الزخرف: ٣٩]. قوله: ليس يخلق جدة، أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام:
«إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد». وقول الناظم: يخلق، فيه لغتان: ضم الياء مع كسر اللام، وفتح الياء مع ضم اللام. وجديدا من الجد بفتح الجيم وهو العز والشرف. قوله: مواليه، أي: مصافيه مع ملازمة العمل بما فيه، والموالي ضد المعادي.
قوله: على الجد بكسر الجيم ضد الهزل، أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام:
«يا أبا هريرة تعلم القرآن وعلمه الناس ولا تزال كذلك حتى يأتيك الموت، فإنه إن أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام».
وقارئه المرضيّ قرّ مثاله | كالأترجّ حاليه مريحا وموكلا |
أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام:
«مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر». رواه البخاري ومسلم.
والمرضي صفة القارئ المؤمن المذكور في هذا الحديث لأنه ليس المراد به أصل الإيمان فقط بل أصله ووصفه، قال عليه الصلاة والسلام:
«ما آمن بالقرآن من استحل محارمه». وقول الناظم: قر، بمعنى استقر أي: استقر مثاله في الحديث. ويقال: الأترج بتشديد الجيم والأترنج بالنون. وقوله: مريحا وموكلا، من أراح الطيب وغيره إذا
أعطى الرائحة وأكل الزرع وغيره إذا أطعم.