وقد قرئ: " فأمْتِعْه " على معنى دعاءِ إِبراهيم - عليه السلام - " ومن كفر فأمتِعْه " بالجزم.
فَإِنْ قِيلَ: لم لا كان تفاضل الامتحان بتفاضل النعم.
وإنما يعقل فضل الامتحان بفضل العقل، ويعلم أَن المؤمن هو المفضَّل بالعقل.
كيف لا وقع فضل ما به يمتحن -وهو النعم- لأَن العقل الذي به يدرك الحق واحد، لا تفاضل فيه لأَحد.
ثم العقل الذي به يمتحن واحد؛ فهما متساويان -فيما به دَرْكُ الحق- إلا أَن أحدهما يدركه فيتبعه، والآخر يدركه فيعانده. فهو -من حيث معرفته- ذو عقل، أعرض عنه؛ فيسمى معاندًا، إذ من لا عقل له يُسمى مجنونًا.
وقوله: (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ).
ذكر الاضطرار، وهو كقوله: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) وهو السوق، وكقوله: (وَنَسُوقُ الْمُجرِمينَ)، إِنهم يساقون إليها، ويُدَعون، لا أنهم يأتونها طوعًا واختيارًا.
وقوله: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
أي: بئس ما صاروا إليه.
وقوله: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا (١٢٧)
أُمِرَا برفع البيت وببنائه؛ فَفَعلا، ثم سألا ربهما: أَن يتقبل منهما. فهكذا الواجب على كل مأْمور بعبادةٍ، أَو قُربة -إذا فرغ منها، وأَداها- أَن يتضرع إلى اللَّه، ويبتهل؛ ليقبل منه، وأَلا يرد عليه؛ ليضيع سعيه.
وقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لدعائهم. (الْعَلِيمُ) بما نَوَوْا وأَضمروا.
وقوله: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ (١٢٨)
والإسلام قد ذكرنا فيما تقدم أَنه يتوجه إلى وجوه:
أحدها؛ هو الخضوع له والتذلل.
والثاني: هوِ الإخلاص.
ثم اخْتَلَفَ أهل الكلام في الإسلام:
فقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنه يتجدد في كل وقت؛ لذلك سألوا ذلك، وهو كقوله - تعالى -


الصفحة التالية
Icon